.. عبد الاله
دريف ..
باحث في الدراسات السياسية والدولية، جامعة
محمد الخامس الرباط اكدال .
سلسلة الإشكاليات الدستورية الكبرى
"عملية إحياء لمذهب منسي"
المقالة الاولى
مخابر و مناظر حالة الاستثناء في التعديل الدستوري المغربي الأخير
الجزء الثاني
لقد تحدثنا في سابق الكلام عن ان لحالة
الإستثناء أركان جوهرية واخرى شكلية، وفي معرض حديثنا هذا سوف نحاول تسليط الضوء
على إحدى الاجراءات الشكلية من أجل الوصول إلى شرح أعمق لحالة الاستثناء على ما
تركها عليه فقهاء القانون الدستوري .
وبتركيزنا إذن على مسألة الاستشارة الملكية
بإعتبارها جزء من المسطرة الاجبارية التي يلتزم الملك بها في الاعلان عن حالة
الاستثناء، يتضح لنا أننا في أمس الحاجة للاستفسار عن مفهوم الاستشارة، وتبيان
أنواعها .. وذلك كله قبل التطرق الى السر من وراء ايراد المشرع الدستوري للمؤسسات
المعنية بالاستشارة دون التنصيص على غيرها . وعموما، فيمكن تعريف الإستشارة، على أنها طلب
المشورة والرأي في موضوع معين، من طرف جهة محددة معترف بها، من جهة أو هيئة اخرى،
وذلك بناء على نص قانوني معين يصرح بمشروعية اللجوء إليها. وبخصوص حق اللجوء نميز يمكن التمييز في
الاستشارة بين الإستشارة الإختيارية، أو الإستشارة الإجبارية .. أما الاستشارة
الإختيارية فيقصد بها ان الجهة الطالبة للمشورة لهما السلطة التقديرية الكاملة في
لجوئها او عدم لجؤها الى الاستشارة من الجهة الاخرى.. وهو العكس بالنسبة للاستشارة
الاجبارية، حيث ان هذا النوع يفترض إجبار القانون في الحالات المحددة بموجبه،
الجهة الطالبة للرأي في اللجوء إلى الاستشارة. غير أن هذا الوضع لايعني إجبار
القانون للجهة المُستشيرة في الأخذ بمضمون الاستشارة، لأن مضمون هذه الاخيرة يبقى
رأيا غير ملزم . أما بخصوص الاستشارة الواردة في الفصل 59،
فإننا مبدأيا نلاحظ أن مجرد التنصيص على الاستشارة يعتبر من من قبيل الاستشارة
الاجبارية، لان هذه الاخيرة لايمكن ان تستقيم بعدم التنصيص لإعتبار أن الأصل في
الاستشارة هو الإختيارية، وبالتالي فعدم لجوء جلالة الملك لها في حالة توفر
الاركان الموضوعية أمر يجعل مسطرة الاعلان عن حالة الاستثناء معيبة بعيب الانحراف
عن المسطرة التي يحددها الدستور. ومن أجل الاستعاب الجيد لقارئنا في بحثنا عن
اجابة لإشكاليتنا أعلاه، فضلنا تناول الموضوع كمايلي :أولا : سر الاستشارة الملكية للمؤسسات الدستورية المعينة في الفصل 59 من
الدستور المغربي. يشترط الفصل 59 من الدستور المغربي في
الاستشارة، توجه جلالة الملك بشكل اجباري في حالة إستشعاره بوجود إحدى العوامل
التي تدخل ضمن الأركان الجوهرية لحالة الاستثناء إلى رئيس الحكومة و رئيس المحكمة
الدستورية ورئيسي مجلسي البرلمان، من أجل أخذ رأيهم قبل اصداره لظهير الاعلان عن
حالة الاستثناء. ولعل مايجب الاجابة عنه في هذا الصدد كامن في
السؤال التالي : مالسر من وراء
اختيارالمشرع الدستوري المغربي لهذه المؤسسات بالتحديد ؟ إنه وقبل التعرض لرأينا من هذه الإشكالية لزِم
القول أولا بأن كلمة "رئيس" التي تضاف أمام كل مؤسسة يذكرها الدستور في
الفصل 59، ليست عبارة يمكن الاحتجاج بها
ضد القول بان المشرع الدستوري لايقصد المؤسسة بعينها وأنه يقصد الرئيس في
حد ذاته، لأن القول بخلاف ذلك يؤدي بنا الى أن الملك ليعلن حالة الاستثناء
يحتاج الى الاستشارة مع الحكومة رئيسا
ووزراء، والبرلمان بكل أعضائه فضلا عن كل أعضاء المحكمة الدستورية، وهو أمر عسير
يتنافى وعنصر الاستعجال الذي هو المقصد من حالة الاستثناء، وهي الحجة - حسب رأينا
- التي تفسر لجوء المشرع الدستوري إلى مبدأ التمثيلية ليضمن سهولة مسطرة الاعلان
كذلك الرفع، حيث اعتبر ان الاستشارة مع رؤساء المؤسسات هو بمثابة استشارة مع كل
هذه المؤسسات، وهو أمر تترتب عنه نتائج من بينها مشروعية العمل الملكي في القيام
بأعمال الدفاع في حالة الاستثناء. وهو ماسنثبته في قادم الكلام . وفي ظل الحديث عن ما اعتبرناه سرا، لزم التدقيق
في عبارة "يُخَوَّلُ الملك" الواردة في الفصل 59، فهي عبارة توحي - كما
يتضح - بأن الملك لا يملك الاختصاص الاصلي والكامل ( والمقصد من هذه العبارة
ان الملك قد يملك قسطا كبيرا من الاختصاصات المتعلقة بالدفاع لكنه لا يملكها بشكل
كامل لأن هناك مؤسسات دستورية وغير دستورية لها نفس الاختصاص.) بخصوص
إجراءات الدفاع ومايتعلق بها، في الحالة العادية، وأنه اصبح يتمتع في حالة
الاستثناء بكامل الصلاحية في ممارسة اجراءات الدفاع وكل مايتعلق بها . اذن فيبقى السؤال الذي يطرح، هو ماهي المؤسسات التي تتمتع بالصلاحيات المتعلقة
مجالات الدفاع في الحالة العادية؟ اي ماهي المؤسسات الدستورية التي تخول الملك في
حلة الاستثناء دورها في مجالات الدفاع ؟ انه ومن خلال الاجابة عن هذا السؤال، سيتضح لنا
مباشرة السر من وراء الاستشارة الملكية في الفصل 59 المتعلق بحالة الاستثناء، وعلى
العموم فان الهيئات التي لها علاقة بمجالات الدفاع في الدستور هي الحكومة
والبرلمان بغرفتيه فضلا عن المحكمة الدستورية، وهي نفس المؤسسات التي ينبغي على
الملك استشارتها اذا توفر احد الاركان الجوهرية لحالة الاستثناء . وهذا هو السر
الحقيقي من وراء ايراد هذه المؤسسات بشكل حصري ومحدد. وبالتالي فهذا مايمنح
الشرعية الكاملة للملك في ممارسة اجراءات الدفاع عن الوحدة الترابية اذا أُعلِنت
حالة الاستثناء . وبناء على هذه المعطيات وجب علينا من باب
التوضيح ايضاح وجه اختصاص هذه المؤسسات في ميدان الدفاع وكل ما قد يتعلق به . وذلك
كمايلي : 1- الملك : ان تصفح الدستور ولو بالقراءة العادية للقارئ
المبتدئ، توحي له بان جلالة الملك باعتباره رئيسا للدولة هو من يتمتع بسلطة واسعة
على مستوى الدفاع وكل مايتعلق به من حفاظ عن آمان الدولة وأمنها. ولعل هذه
الصلاحية هي التي تفسر القدر الكبير من النصوص الدستورية المتعلقة بسلطات الملك في
هذا المجال وهي التي جعلت منه الاصل في هذا النوع من الاختصاص حسب مقتضيات الفصل
42 من فقرته الاولى والثانية والثالثة، وهو مايتجسد في المقتضيات العملية من
الدستور وخصوصا الفصول التالية: الفصل 53 الذي ينص على أن "الملك هو القائد
الاعلى للقوات المسلحة الملكية..."، الفصل 54 المتعلق بالمجلس الاعلى للامن
الذي يختص حسب الفقرة الاولى من نفس الفصل ب"التشاور بشأن استراتيجيات الامن
الداخلي والخاريجي للبلاد، وتدبير حالة الازمات، والسهر ايضا على مأسسة ضوابط
الحكامة الامنية الجيدة."، الفصل 74 المتعلق باعلان حالة الحصار، ثم الفصل 99
المتعلق باشهار الحرب. ولعل مايؤكد ايضا هذا الكلام ( للمزيد في
هذه النقطة، راجع، مصطفى قلوش، النظام الدستوري المغربي، مكتبة دار السلام للطباعة
والنشر والتوزيع الرباط، المغرب، ط4، ص22.) هو خطاب 19 غشت 1972 عندما قال جلالة الملك الراحل
الحسن الثاني : "... ولهذا قررت من اليوم أن ألغي منصب وزير الدفاع وكذا منصب
المأجور العام المساعد على أن وزارة الدفاع ستكون على شكل إدارة أدير شؤونها بنفسي
...". وهذا مايوحي بالمسؤولية الاولى لجلالة الملك في الحفاظ على دوام الدولة
واستقلالها..
2- الحكومة : أما الحكومة او السلطة التنفيذية، رئيسا ووزراء
فأصل اختصاصها في ميدان الدفاع هو الفصل 72 (المراسيم المستقلة)، والقائل بمايلي
"يختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون"، وهذا
مايعني ان لرئيس الحومة كقاعدة اصل - عن طريق المراسيم - وللوزراء إستثناء - عن
طريق القرارات - الحق في ممارسة كل ماتلح الضرورة على القيام به من اجل سير
المرافق العمومية، في أي مجال كان "الصحة، الأمن، القضاء، الدفاع..." شريطة
ان لا تكون ضمن المجالات المحددة - عبارة ومضمونا - في الفصل 71. ولعل مايوحي ايضا على ان للحكومة دورا فعلا في
مسائل الدفاع عن الوحدة الوطنية داخليا
وخارجيا هو الفص 54 عندما نص على ان تركيبة المجلس الاعلى للامن تضم رئيس الحكومة
و وزراء محددين . هذا فضلا عن الفصل 92 المنظم لمجالات تداول مجلس الحكومة خاصة في
بنده 5 الناص على "القضايا الراهنة المرتطة بحقوق الانسان والنظام
العام"، هذا الاخير الذي يضم مجالات ثلاثة قد ترتبط بمجالات الدفاع في حالات
الاستثناء، خاصة منها مايرتبط بالسكينة العامة والامن العام. هذا بالاضافة الى
مراسيم القوانين والمراسيم التنظيمية
المنصوص عليها في البند 7 و 8، وهو مايشرع للملك بموجب الفصل 59 تملكه لإصدار
المراسيم في حالة الاستثناء . 3- غرفتي البرلمان : يختص البرلمان كذلك في مجال الدفاع وكل مايتعلق
به، وهو ايضا مايجعل الاستشارة الملكية لرئيسي البرلمان امرا مشروعا. ولمعرفة مظاهر اختصاص البرلمان في مجال الدفاع
وجب اولا الاستئناس بالفصل 71 من فقرته الاولى الذي يقول " يختص القانون،
بالاضافة الى المواد المسندة اليه صراحة بفصول اخرى من الدستور بالتشريع
...". وهو مايعني ان مظاهر تخصص البرلمان بغرفتيه في مجالات الدفاع او كل
مايتعلق به تنقسم الى نوعين :أ- وأما النوع الاول فيظهر في الفصلين 74 والفصل 99 المتعلقين بحالتي الحصار
والحرب. حيث ان تدخل البرلمان وان كان تدخلا غير اساسي في هتين الحالتين قد يشكل
عائقا امام جلالة الملك في حالة رفعه لحالة الاستثناء، وبالتالي فبموجب الفصل 59
فان البرلمان يخول الملك حقه في تمديد حالة الحصار، كما ان الملك ايضا يستغني عن
احاطة مجلسي البرلمان علما باعلان الحرب، ولعل هذا يكون اذا افترضنا وجود حصار او
حرب لا تصل الى اكمال الاركان الجوهرية لحالة الاستثناء، والا فاننا سنكون امام تناقض دستوري ، او اهمال لعنصر
الاستعجال وهو ماتناولناه بالتفصيل في الاشكالية الثانية من هذا المقالة .ب- أما بخصوص
النوع الثاني، فهو يظهر من خلال الفصل 71 المنظم لقوانين الاطار، حيث ان البند 13
المتعلق بنظام مصالح وقوات حفظ الامن، يُأصل لمجال من المجالات التي قد تتعلق
بمسائل الدفاع عن الوحدة الوطنية، الا اننا قد نلقى إشكالا في هذا الصدد !! لعل أسهل طريقة
لتوضيح الاشكال الذي توصلنا اليه في هذا المقام، هو وضع مقارنة بين القانون العادي
الممدد لحالة الحصار والذي قد يتكرر كلما تكرر الوضع المؤدي لها وبالتالي فقد
نسميها على ذلك بقانون الظرف أي القانون الذي لايصح وضعه الا اذا حدث ظرف معين،
أما قوانين الاطار (ومن بينها نموذجنا في البند 13 من الفصل 71) فلا يحكمها
مثل هذا الشرط او الظرف بل قد تكون قبل وقوع الظرف، أو حتى بعده . وفي هذه الحالة
الاخيرة (اي ان يكون قانون الاطار لاحقا لإعلان حالة الاستثناء، وقبل رفعها ) ففي
هذه الحالة يخول الملك بناء على الفصل 59 اذا تعلق قانون الاطار باجراءات الدفاع،
الحق في اصدار هذا القانون دون ان يمر في المسطرة التشريعية الموضحة في الفصل 84،
وهذه الحالة على هذا القول لاتطرح امامنا اي اشكال . بيد ان ما يطرح
الاشكال الذي حدثناك به سلفا، هو صدور قانون الاطار المرتبط باجراءات الدفاع قبل اعلان حالة الاستثناء. وهو مايعني ان
البرلمان لم يترك الفرصة امام جلالة الملك ليمارس صلاحياته وفق الفصل 59. وهو
مايطرح بدوره اشكالية توقف نجاح احدى عمليات الدفاع عن الوحدة الوطنية على اصدار
جلالة الملك لقانون الاطار الذي اصدره البرلمان قبلا وهو ماقد يوحي للبعض ان
اختصاص جلالة الملك في هذه الحالة قد انتهى على الاقل من جهة هذا المظهر من مظاهر
تدخل البرلمان في مجالات الدفاع عن الوحدة والسيادة الوطنيتين. وأما عن رأينا
في هذا الصدد، فهو مُسند الى ضرورة توسيع دائرة فهم عبارة " يُخوَّل الملك..." حيث ان هذه العبارة في نظرنا قد تصل الى درجة
إمكانية الغاء أي قانون كيف ما كان، ولو كان قانونا تنظيميا، اذ ان مجرد توقف
الاجراءات التي يخولها الدستور لجلالة الملك في حالة الاستثناء على مجال من مجالات
القانون او الحكومة او غيرها من المؤسسات، أمر
يجعله متنصلا من كل القيود الدستورية والقانونية بصفة عامة، وبالتالي
فرهانة عمله في ظل الفصل 59 بقانون اطار تم وضعه سابقا، ام يجعل الغاء ذلك القانون
من بين اجراءات الدفاع نفسها فجاز بذلك الغاء القانون.
وما نشترطه في
هذا الرأي هو ان جلالة الملك ليس من حقه الغاء او اصدار قانون منافي لذلك القانون
كيف ما شاء، بل انه مرهون بقيامه بما يجب على البرلمان ان يفعله في مثل هذه
الاجراءات وهو ماسنبينه في الحال . اذا كان الفصل
133 من الدستور المغربي يمنح القانون حصانة ضد الالغاء انطلاقا من اعتماده لتقنية
الدفع، فان احتمال الغاء القانون لا يمكن الا بموجب القاعدة التالية " لا
يلغي القانون الا القانون، ولا يعدل القانون الا بالقانون " وهذا مايعني ان
جلالة الملك في حالتنا هذه ، قد يلجأ الى اصدار قانون اطار آخر يحمل نفس عنوان
قانون الاطار الذي أصدره البرلمان قبل اعلان حالة الاستثناء، بموجبه قد ينص على
احدى النصين الاتيين او هما معا :النص الاول : يلغي هذا القانون، كل نص قد تم العمل به في
القانون رقم .. المؤرخ في .. (ويتم التنصيص في الفراغ على رقم وتاريخ اصدار الامر
بتنفيذ القانون الذي اصدره البرلمان قبل اعلان حالة الاستثناء).النص الثاني: تعدل فصول هذا القانون المقتضيات التي تم
التنصيص عليها في القانون رقم كذا تاريخ كذا . (وهنا يورد جلالة الملك في ذلك
القانون الجديد المقتضيات التي تتوقف عليها اجراءات الدفاع). غير ان ما يطرح
اشكالية جديدة هي الحالة التي يكون فيها قانون الاطار المتعلق بالدفاع قد أُصْدِر
في حقه قرار من المحكمة الدستورية تقر بدستوريته، وهو الامر الذي يجعل ذلك القانون
محصنا من جميع الجهات، فلا يمكن بالتالي الغائه لا بالتعديل ولا بالالغاء الصريح،
ولو كان اقتراح الغائه مقدما من المحكمة الدستورية نفسها أو من جلالة الملك او من
اي جهة اخرى، وذلك كما تم توضيحه في الفقرة الاخيرة من الفصل 134. إن الحل في
نظرنا لتخلص جلالة الملك من هذا القيد يبقى -حسب رأينا- مرهون بمراجعته للدستور
مراجعة شاملة، او مراجعة جزئية تهم بالتحديد الفقرة الاخيرة من الفصل 134. ولا
يجوز له في اي ظرف من الظروف خرق مقتضى هذه الفقرة، ولو بحجة القيام باجراءات
الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد المبينة في الفصل 59، لان هذه الاجراءات تتأسس
على سلطة التخويل لا على الحرية المطلقة للملك.
"والله اعلم"4- المحكمة الدستورية : ان العودة الى القاعدة الاولى التي تحدثنا فيها
عن ان عبارة يُخول الملك الواردة في الفصل 59 من الدستور المغربي، تفسر سر
الاسستشارة المنصوص عليها في نفس الفصل، قررنا تبيان مكان اختصاص كل مؤسسة من
المؤسسات المستشارة، في مجال الدفاع وكل ما يتعلق به، وهو ماحذوناه في تبيان علاقة
الملك والحكومة والبرلمان بتلك الاجراءات، ودعونا الان ننتقل الى اخر مؤسسة هي
المحكمة الدستورية . ان عَملنا في هذه النقطة بنفس الطريقة التي
قمنا بها في تبيان علاقة المؤسسات باجراءات، انطلاقا من معاينة طبيعة الاختصاص،
امر لا يمكنه ان يفضي لنا بنتائج قوية ومعتبرة، إذ ان النظر في صلاحيات المحكمة
الدستورية كما بينها الدستور لا توحي بشيء يدل على الدور الذي تلعبه المحكمة
الدستورية في مجال الدفاع عن الوحدة الوطنية وسيادة البلاد . وما قد يساعدنا في هذا المقام، قبل الخوض في
الاهم، هو ان للمحكمة الدستورية أسس
قانونية ودستورية قوية تتجسد في الفصول 132 و133 و134، تستطيع من خلالها
عرقلة عنصر الاستعجال الذي تشترطه حالة الاستثناء، وهو ما يستدعي بالضرورة جعلها
في قائمة المؤسسات المُستَشَارة التي تخول الملك حق ممارسته لصلاحيتها بشكل قانوني
. و لتبيان أهم مظاهر هذه العرقلة يجب اولا ان
نعرف البرلمان في ظل حالة الاسستثناء لايجوز حله إلا في الحالة التي يكون فيها
الحل مرهونا بمجال الدفاع، عنده فان جلالة الملك يمارس حقه في الحل بناء على الفصل
51 الذي يحيل على الفصول 96 و 97 و 98 وذلك بنا على النتيجة التي توصلنا اليها في
ان عبارة التخويل الواردة في الفصل 59 انما هي عبارة تدل على ان الملك يستحوذ على
جميع السلطات المتعلقة بمجال الدفاع، وانه ان قمنا بجرد المؤسسات التي لها علاقة
بمجالات الدفاع بشكل مباشر، فاننا نجد الملكية تستحوذ على نصيب الاسد، اي ان ملكية
حالة الاستثناء تخول اختصاصات ملكية الحالة العادية، وان الملك لا يمكن ان يستشير
نفسه ثم يخول لنفسه ما له اصلا، لذلك خلت الملكية من الهيئات المستشارة في الفصل
59 . وعموما فان عدم امكانية حل البرلمان في الحدود
التي بينها للتو، أمر يترتب عنه، بقاء السلطة التشريعية ممارسة لإختصاصاتها في
حالة الاستثناء، ماعاد مايتعلق منها بمجال الدفاع حيث يقوم جلالة الملك باصداره.
غير ان هذا الحديث لا يعني حرمان المعارضة من حقها في اللجوء الى المحكمة
الدستورية، وهو مايعني أن الملك في اطار ممارسته لهذا الاستثناء قد يتعرض من
الناحية المسطرية لعرقلة المحكمة الدستورية. وهو مايجعلنا نتحدث عن امكانية الملك
في ان يُخول القيام باعمال المحكمة الدستورية . لقد سلمنا سابقا بان جلالة الملك بموجب حالة
الاستثناء يخُول القيام باجراءات الدفاع الخاصة بمؤسسات الاستشارة، الا ان مايطرح
نفسه بقوة في هذا الصدد، هو كيفية قيام جلالة الملك بعمل المحكمة الدستورية. هل
تعفى فقط أعماله التي تخضع لرقابة المحكمة الدستورية من الرقابة التي تمارسها هذه
الأخيرة، أم انه يتم تعطيل المحكمة الدستورية، ليقوم الملك بدورها ؟ 1 – اعفاء الملك
من الرقابة، وبقاء المحكمة تمارس اختصاصاتها . ان المرمى من هذا الاعتبار، هو ان المحكمة
الدستورية ان إستمرت في عملها اثناء اعلان حالة الاستثناء، فإنها بلا شك ستعيق عمل
جلالته أثناء ممارسة اختصاصاته في هذا الظرف، لذلك فمن المفيد - حسب هذا الاعتبار
- ان ترفع رقابة المحكمة الدستورية على اعمال جلالة الملك التي يمارسها بالنيابة
عن السلطة التشريعية و التي لها علاقة بالدفاع، مع إستمرارها في أداء أعمالها
الأخرى التي لا تدخل في مجالات الدفاع عن الوحدة الوطنية وسيادة الدولة. ومما يُحتج به أثناء الاخذ بهذا الحل هو ماورد
في الفقرة 4 من الفصل 132، والذي يقول مايلي : " تبت المحكمة الدستورية
في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من هذاالفصل، داخل أجل شهر
من تاريخ الإحالة. غير أن هذا الأجل يُخفض في حالة الاستعجال إلى ثمانية أيام، بطلب
من الحكومة. ".. وعين الحجة في هذا النص كامنة في عنصر الاستعجال الذي يشكل أيضا
اساس العمل اثناء اعلان حالة الاستثناء كما علمنا سلفا، وبناء على علاقة التلازم
هذه –حسب هذا الإعتبار- يمكننا ان نبني ان للمحكمة الدستورية اثناء حالة الاستثناء
دورا، لا يدخل في مجالات الدفاع، وفي نفس الوقت لا يعرقل الاجراءات التي يمارسها
الملك، وضمن هذا الدور الاخير يندرج مقصد هذا النص. وما يؤكد لنا من جهة اخرى مدى
قوة هذه الحجة هي ماورد في الفصل 25 من القانون التنظيمي للمجلس الدستوري الذي
يصيب مايلي : " في الحالات المنصوص عليها في الفصل 48 من الدستور ( دستور
1996 ) يحيل الوزير الاول القضية الى المجلس الدستوري، ويبت هذا الاخير فيها خلال
شهر، وتخفض هذه المدة الى ثمانية ايام، اذا صرحت الحكومة بان الامر يدعوا الى
التعجيل.". وهو الامر الذي يتماشى ويتفق ويساير الفكرة التي ينادي بها
المتفقون مع هذا الاعتبار، أي ان الاستعجال الوارد في هذين الفصلين لا يمكن ان
يكون الا مرتبطا بحالة الاستثناء.
وفضلا عن ماسلف، يمكن استنتاج أن للمحكمة
الدستورية نوعين من الإختصاص في ظل حالة الاستثناء، أما الأول فيرتبط بمجالات
الدفاع وفيه لاتقوم المحكمة الدستورية بعملها المعتاد، لان جلالة الملك هو من
يتولى تلك الاختصاصات، وتفاديا للعرقلة فان المحكمة الدستورية ترفع يدها على
مراقبة هذا المجال. أما النوع الثاني فهو يجسد ما لايدخل في مجالات الدفاع عن
الوحدة الترابية الوطنية، و تقوم فيه المحكمة الدستورية بعملها المعتاد. غير انه يبدوا لنا أن من الاهمية بما كان ان
نشير إلى ان مايميز هذين الاختصاصين هو صفة "عدم التعيين أوالتحديد"،
بمعنى أن المحكمة الدستورية يصعب عليها تحديد متى قد تعرقل بممارستها لعملها
العادي مايخوله الفصل 59 للملك من إجراءات للدفاع، وهو الأمر نفسه الذي سيتعرض له
جلالته، إذا ما أراد توسيع دائرة اختصاصه المتعلقة بمجالات الدفاع، بحيث ان
المحكمة الدستورية ستحتج بتدخله في اختصاصاتها، او انه اعدم دورها بالكامل . ونفس
النتيجة ستقع إذا صرحت المحكمة الدستورية بناء على النوع الثاني من اختصاصاتها
بقرار اكتشف جلالة الملك أنه لامحالة سيعرقل الإجراءات التي اتخذها للدفاع
كمقترحات المراجعة الدستورية التي قد يتقدم بها رئيس الحكومة أو أعضاء البرلمان
. وعلاوة على ماسبق، فإن ما احتج به انصار هذا
الاعتبار في ان عنصر الاستعجال الوارد في الفصل 132 من الدستور ، والفصل 25 من
القانون التنظيمي للمجلس الدستوري، هو استعجال حالة الاستثناء، أمر مردود، لا
محالة. إذ ان عنصر الاستعجال في الحقيقة لايرتبط دائما في الدستور المغربي بحالة
الاستثناء، بل قد يرتبط ايضا باعتبارات اخرى كضمان استمرارية المرافق العامة
باصدار قوانين، أو كالنموذج الوارد في الفصل 86 من ضرورة ايداع مشاريع القونين
التنطيمية في البرلمان قبل نهاية الولاية التشريعية الاولى التي تلي صدور نفس
الدستور... وهي كلها مسائل يرتبط الاستعجال بها بالوضعية القانونية للمعني بها .
وبالتالي فيترتب عن هذا الكلام، ان القصد من عبارة الاستعجال انما انصرفت الى
حالات اخرى، فلا يجوز بذلك اعتبارها حجة مطلقة . وفضلا عن كل هذا، فانه وبمسايرتنا لما قد تتوجه
اليه حجج هذا الاعتبار، في ان الاستعجال قد يُعني ايضا بالاضافة الى الحالات
الأخرى بحالة الاستثناء، فان ذلك سرعان ما يزول إذا ما علمنا أن الفقرة الثانية
والثالثة المشار اليهما في الفصل132 ضمن فقرته الرابعة المشار اليها اعلاه،
تتعلقان برقابة المحكمة الدستورية على مقترحات أو مشاريع القوانين التنظيمية التي
صادق عليها البرلمان، ومقترحات النظامين الداخليين لغرفتي البرلمان، فضلا عن
القوانين العادية التي لم يصدر الامر بتنفيذها بعد، وهي كلها من اعمال البرلمان،
وهو ما يعني ان مجرد ارتباطها بإجراءات الدفاع أثناء حالة الاستثناء، أمر يخول
مباشرة لجلالة الملك مسألة التصرف فيها، هذا مايعني حسب الفكرة الاولى لهذا
الاعتبار، ان رقابة المحكمة الدستورية سترفع، وهو مايدل أيضا على ان الفصل 132 في
فقرته الرابعة يبطل عمله، اي ان المحكمة لم تعد لديها امكانية في الاستعجال، واذا
انتفى الاستعجال، انتفت معه الفكرة التي قد يُحتج بها في نصر امكانية اشتغال
المحكمة الدستورية اثناء حالة الاستثناء . 2 - تعطيل المحكمة الدستورية وقيام الملك بكل
أعمالها : ان جلالة الملك حسب هذا الاعتبار، يشكل منارة
تتجسد بكل دقة في حالة الاستثناء. اذ أن عنصر الرقابة الذي يشكل محور كل محكمة ،
يجعل من جلالته بعد استحواذه عليها في ظل حالة الاستثناء، محورا للرقابة على
اختصاصات كل المؤسسات الدستورية. التي لا تزال آنذاك في حالة اشتغال باعمال تكون
خارج نطاق ميدان الدفاع او كل مايتعلق به . وهو الامر الذي يجعل ممارسة الملك
للاختصاصاته اثناء هذه الفترة أكثر سهولة وآمانا من كل ما قد تعرقل به تلك
المؤسسات جلالته اثناء ادائه للخدمة. فلو افترضنا على سبيل المثال ان البرلمان
الذي لا يحل بصريح النص في الفصل 59 قد اصدر قانونا لايدخل في ميدان مجالات الدفاع
لكنه في نفس الوقت قد يشكل او اخلالا سواء بصفة مباشرة او ضمنية يعيق
اجراءات الدفاع التي يمارسها الملك .عندها حسب هذا الاعتبار جاز للملك بصفة
قانونية ان يضع حدا لذلك القانون اولا باستخدام حقه الذي خوله البرلمان له بشكل
آلي في ان يرفع رسالة الطعن قبل ان يصدر بنفسه الامر بتنفيذه، وبعد ذلك يقوم بالبت
فيه. ونفس الحق سيستعمله ببته في مقتضيات الفصل 79، والفصل 73 من الدستور. لعل الفائدة من هذا، هو ان الملك سيتلقى دعامة
دستورية اخرى تمكنه من الوقوف على ادق التفاصيل في الدولة ومؤسساتها، وهي ماسيمكنه
من تجاوز هذه الحالة العصيبة والامثلة في
الافتراض لذلك كثيرة كثيرة . لذلك ففي اطار بته هذا، سيقوم بالرقابة على اعمال المؤسسات الدستورية في مطابقة
اعمالها لروح الدستور، سواء من الناحية المسطرية التي تقرها الفصول الاخرى من
الدستور في الحالة العادية، كمراعاته لمدى توافق القانون الذي اصدره البرلمان
(اثناء حالة الاستثناء) للمسطرة التشريعية المنصوص عليها في الفصل 84 بالنسبة
للقانون العادي، او الواردة في الفصل 85 بالنسبة للقوانين التنظيمية، كما أنه سيراقب مدى عدم خروج تلك العمال عن المغزى
والمرمى من الذي يبتغيه الفصل 59 ، كأن يتقدم البرلمان باقتراح لمراجعة الدستور،
في وقت قد يشكل ذلك مسا باجراءات الدفاع التي تشكل اساس حالة الاستثناء. وبالتالي
فان اختصاصه في هذه الحالة لن يتوقف عند حد اصدار قرار موضوعه مراقبة صحة من عدم
صحة اجراءات المراجعة. لانه من المحتمل ان تكون صحيحة، وهو ما قد يعرقل من جديد
عمل جلالته. بل ان دوره في هذه سينفذ الى درجة رفض المقترح بحجة انه ليس من اختصاص
البرلمان بل هو من اختصاصه هو ذاته (اي جلالة الملك)، بحجة خرق البرلمان لمقتضى
الفصل 59 الذي يخول الملك الحق في ممارسة كل مايتعلق باجراءات الدفاع اثناء اعلان
حالة الاستثناء، ومادام ان مراجعة الدستور هاهنا قد تعرقل اجراءات الدفاع التي
يتخذها الملك، فانها بذلك تدخل مجالات الدفاع نفسها، فيكون التعليل الذي يقدمه
جلالته (في اطار استحواذه على المحكمة الدستورية) تعليلا سليما وقويا من الناحية
الدستورية.
واخيرا يجب التذكير ان دور المحكمة الدستورية
في ظل حالة الاستثناء، (اذا اعتمدنا منطلقات هذا الاعتبار) لا تكون معدومة بشكل
نهائي، بل ان دورها يبقى رهينا بالاستشارة الواردة في الفصل 59 ، اي اسشارتي
الاعلان والرفع، هذه الاخيرة التي تدل - حسب هذا الاعتبار- على تعطيل المحكمة الدستورية
لا على الغائها بصفة نهائية . وفي نهاية نقاشنا لهذه النقطة، يمكن ان ننطلق
من جديديد نحو اشكاليات متوحة اخرى، من ان عبارة "يُخول الملك" المنصوص
عليها في الفصل 59 ، لا تدل بالضرورة على ان الملك لا يملك اختصاصات في مجال
الدفاع عن الوحدة الترابية، بل ان حالة الاستثناء حد ذاتها تخول لجلالته الحق في
ممارسة باقي الاختصاصات التي تملكها المؤسسات الدستورية في مجال الدفاع وفي الحالة
العادية. اي ان الحق في ممارسة اجراءات حالة الاستثناء قائمة دوما ولو بشك محدود.
والقصد من ذلك ان الملك لا يرفع حالة الاستثناء في حالة الخطر دوما، بل ان ماله من
اختصاصات في مجال الدفاع عن الوحدة الترابية قد تغنيه عن ذلك ، فتكون حالة
الاستثناء لا قيمة واقعية لها . ويبدوا ان هذه الافكار التي تحدثنا عنها لحد
الان، هي افكار تندرج ضمن حالة استثناء دستورية تكون فيها المؤسسات المعنية في حالة
عادية من حيث مكانتها الدستورية، اي ان الاشكال الذي سيزيد من تعقيد الامور اثناء
تحليلنا لحالة الاستثناء هو الحالة التي تجتمع فيها حالة الاستثناء المنصوص عليها
في الفصل 59 مع، الحالات الخاصة التي تتعرض لها المؤسسات الدستورية التي لها ادوار
في حالة الاستثناء.
سلسلة الإشكاليات الدستورية الكبرى
"عملية إحياء لمذهب منسي"
المقالة الاولى
مخابر و مناظر حالة الاستثناء في التعديل الدستوري المغربي الأخير
الجزء الثاني
وبتركيزنا إذن على مسألة الاستشارة الملكية بإعتبارها جزء من المسطرة الاجبارية التي يلتزم الملك بها في الاعلان عن حالة الاستثناء، يتضح لنا أننا في أمس الحاجة للاستفسار عن مفهوم الاستشارة، وتبيان أنواعها .. وذلك كله قبل التطرق الى السر من وراء ايراد المشرع الدستوري للمؤسسات المعنية بالاستشارة دون التنصيص على غيرها . وعموما، فيمكن تعريف الإستشارة، على أنها طلب المشورة والرأي في موضوع معين، من طرف جهة محددة معترف بها، من جهة أو هيئة اخرى، وذلك بناء على نص قانوني معين يصرح بمشروعية اللجوء إليها. وبخصوص حق اللجوء نميز يمكن التمييز في الاستشارة بين الإستشارة الإختيارية، أو الإستشارة الإجبارية .. أما الاستشارة الإختيارية فيقصد بها ان الجهة الطالبة للمشورة لهما السلطة التقديرية الكاملة في لجوئها او عدم لجؤها الى الاستشارة من الجهة الاخرى.. وهو العكس بالنسبة للاستشارة الاجبارية، حيث ان هذا النوع يفترض إجبار القانون في الحالات المحددة بموجبه، الجهة الطالبة للرأي في اللجوء إلى الاستشارة. غير أن هذا الوضع لايعني إجبار القانون للجهة المُستشيرة في الأخذ بمضمون الاستشارة، لأن مضمون هذه الاخيرة يبقى رأيا غير ملزم . أما بخصوص الاستشارة الواردة في الفصل 59، فإننا مبدأيا نلاحظ أن مجرد التنصيص على الاستشارة يعتبر من من قبيل الاستشارة الاجبارية، لان هذه الاخيرة لايمكن ان تستقيم بعدم التنصيص لإعتبار أن الأصل في الاستشارة هو الإختيارية، وبالتالي فعدم لجوء جلالة الملك لها في حالة توفر الاركان الموضوعية أمر يجعل مسطرة الاعلان عن حالة الاستثناء معيبة بعيب الانحراف عن المسطرة التي يحددها الدستور. ومن أجل الاستعاب الجيد لقارئنا في بحثنا عن اجابة لإشكاليتنا أعلاه، فضلنا تناول الموضوع كمايلي :أولا : سر الاستشارة الملكية للمؤسسات الدستورية المعينة في الفصل 59 من الدستور المغربي. يشترط الفصل 59 من الدستور المغربي في الاستشارة، توجه جلالة الملك بشكل اجباري في حالة إستشعاره بوجود إحدى العوامل التي تدخل ضمن الأركان الجوهرية لحالة الاستثناء إلى رئيس الحكومة و رئيس المحكمة الدستورية ورئيسي مجلسي البرلمان، من أجل أخذ رأيهم قبل اصداره لظهير الاعلان عن حالة الاستثناء. ولعل مايجب الاجابة عنه في هذا الصدد كامن في السؤال التالي : مالسر من وراء اختيارالمشرع الدستوري المغربي لهذه المؤسسات بالتحديد ؟ إنه وقبل التعرض لرأينا من هذه الإشكالية لزِم القول أولا بأن كلمة "رئيس" التي تضاف أمام كل مؤسسة يذكرها الدستور في الفصل 59، ليست عبارة يمكن الاحتجاج بها ضد القول بان المشرع الدستوري لايقصد المؤسسة بعينها وأنه يقصد الرئيس في حد ذاته، لأن القول بخلاف ذلك يؤدي بنا الى أن الملك ليعلن حالة الاستثناء يحتاج الى الاستشارة مع الحكومة رئيسا ووزراء، والبرلمان بكل أعضائه فضلا عن كل أعضاء المحكمة الدستورية، وهو أمر عسير يتنافى وعنصر الاستعجال الذي هو المقصد من حالة الاستثناء، وهي الحجة - حسب رأينا - التي تفسر لجوء المشرع الدستوري إلى مبدأ التمثيلية ليضمن سهولة مسطرة الاعلان كذلك الرفع، حيث اعتبر ان الاستشارة مع رؤساء المؤسسات هو بمثابة استشارة مع كل هذه المؤسسات، وهو أمر تترتب عنه نتائج من بينها مشروعية العمل الملكي في القيام بأعمال الدفاع في حالة الاستثناء. وهو ماسنثبته في قادم الكلام . وفي ظل الحديث عن ما اعتبرناه سرا، لزم التدقيق في عبارة "يُخَوَّلُ الملك" الواردة في الفصل 59، فهي عبارة توحي - كما يتضح - بأن الملك لا يملك الاختصاص الاصلي والكامل ( والمقصد من هذه العبارة ان الملك قد يملك قسطا كبيرا من الاختصاصات المتعلقة بالدفاع لكنه لا يملكها بشكل كامل لأن هناك مؤسسات دستورية وغير دستورية لها نفس الاختصاص.) بخصوص إجراءات الدفاع ومايتعلق بها، في الحالة العادية، وأنه اصبح يتمتع في حالة الاستثناء بكامل الصلاحية في ممارسة اجراءات الدفاع وكل مايتعلق بها . اذن فيبقى السؤال الذي يطرح، هو ماهي المؤسسات التي تتمتع بالصلاحيات المتعلقة مجالات الدفاع في الحالة العادية؟ اي ماهي المؤسسات الدستورية التي تخول الملك في حلة الاستثناء دورها في مجالات الدفاع ؟ انه ومن خلال الاجابة عن هذا السؤال، سيتضح لنا مباشرة السر من وراء الاستشارة الملكية في الفصل 59 المتعلق بحالة الاستثناء، وعلى العموم فان الهيئات التي لها علاقة بمجالات الدفاع في الدستور هي الحكومة والبرلمان بغرفتيه فضلا عن المحكمة الدستورية، وهي نفس المؤسسات التي ينبغي على الملك استشارتها اذا توفر احد الاركان الجوهرية لحالة الاستثناء . وهذا هو السر الحقيقي من وراء ايراد هذه المؤسسات بشكل حصري ومحدد. وبالتالي فهذا مايمنح الشرعية الكاملة للملك في ممارسة اجراءات الدفاع عن الوحدة الترابية اذا أُعلِنت حالة الاستثناء . وبناء على هذه المعطيات وجب علينا من باب التوضيح ايضاح وجه اختصاص هذه المؤسسات في ميدان الدفاع وكل ما قد يتعلق به . وذلك كمايلي : 1- الملك : ان تصفح الدستور ولو بالقراءة العادية للقارئ المبتدئ، توحي له بان جلالة الملك باعتباره رئيسا للدولة هو من يتمتع بسلطة واسعة على مستوى الدفاع وكل مايتعلق به من حفاظ عن آمان الدولة وأمنها. ولعل هذه الصلاحية هي التي تفسر القدر الكبير من النصوص الدستورية المتعلقة بسلطات الملك في هذا المجال وهي التي جعلت منه الاصل في هذا النوع من الاختصاص حسب مقتضيات الفصل 42 من فقرته الاولى والثانية والثالثة، وهو مايتجسد في المقتضيات العملية من الدستور وخصوصا الفصول التالية: الفصل 53 الذي ينص على أن "الملك هو القائد الاعلى للقوات المسلحة الملكية..."، الفصل 54 المتعلق بالمجلس الاعلى للامن الذي يختص حسب الفقرة الاولى من نفس الفصل ب"التشاور بشأن استراتيجيات الامن الداخلي والخاريجي للبلاد، وتدبير حالة الازمات، والسهر ايضا على مأسسة ضوابط الحكامة الامنية الجيدة."، الفصل 74 المتعلق باعلان حالة الحصار، ثم الفصل 99 المتعلق باشهار الحرب. ولعل مايؤكد ايضا هذا الكلام ( للمزيد في هذه النقطة، راجع، مصطفى قلوش، النظام الدستوري المغربي، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط، المغرب، ط4، ص22.) هو خطاب 19 غشت 1972 عندما قال جلالة الملك الراحل الحسن الثاني : "... ولهذا قررت من اليوم أن ألغي منصب وزير الدفاع وكذا منصب المأجور العام المساعد على أن وزارة الدفاع ستكون على شكل إدارة أدير شؤونها بنفسي ...". وهذا مايوحي بالمسؤولية الاولى لجلالة الملك في الحفاظ على دوام الدولة واستقلالها..
Enregistrer un commentaire