عبد الاله دريف
باحث في الدراسات السياسية والدولية، جامعة محمد الخامس الرباط اكدال .
سلسلة الإشكاليات الدستورية الكبرى
"عملية إحياء لمذهب منسي"
المقالة الاولى
مخابر و مناظر حالة الاستثناء في التعديل الدستوري المغربي الأخير
الجزء الثالث والاخير
إن اي علم، ولد
من رحم ملاحظة علم آخر، ولعل الرغبة في تطوير هذا العلم لايتم إلا بنقد معطيات ذلك
العلم نفسه. وبالعودة إلى أصل اشكاليتنا في هذه المقالة ندرك اننا
قد حولنا تسليط الضوء على السر الكامن من وراء الاستشارة الواردة في الفصل 59 من
الدستور المغربي، لنصل الى نتيجة مفادها ان الاستشارة وان كانت اختيارية في الاخذ بها، فانها لاتكون موجهة الا لجهة لها على الاقل دراية بموضوع الاستشارة، ولن نجد مايحقق هذا الشرط أكثر من جهة اختصاصها الاصلي هو موضوع الاستشارة. وهو الامر الذي ينطبق تماما على مؤسسات الاستشارة الواردة في الفصل 59، وهي التي لها صلة سواء بشكل مباشر او غير مباشر في مجالات الدفاع .
قد حولنا تسليط الضوء على السر الكامن من وراء الاستشارة الواردة في الفصل 59 من
الدستور المغربي، لنصل الى نتيجة مفادها ان الاستشارة وان كانت اختيارية في الاخذ بها، فانها لاتكون موجهة الا لجهة لها على الاقل دراية بموضوع الاستشارة، ولن نجد مايحقق هذا الشرط أكثر من جهة اختصاصها الاصلي هو موضوع الاستشارة. وهو الامر الذي ينطبق تماما على مؤسسات الاستشارة الواردة في الفصل 59، وهي التي لها صلة سواء بشكل مباشر او غير مباشر في مجالات الدفاع .
الا ان ما يهمنا في هذه النقطة هو
التعرف على مدى صحة اجراءات اعلان حالة الاستثناء من خلال جزئية الاستشارة من جهة،
والوضعية الخاصة للمؤسسات المعنية بالاستشارة من جهة ثانية، وذلك كله من اجل بلوغ
أقصى نقطة يمكن الوصول اليها من خلال الملاحظة المباشرة للنصوص، وهذه هي غاية
مذهبنا.
وعموما فاننا لابراز جوانب هذه الاشكالية، سننتهج الطريقة الاتية :
1-
الحكومة :
للحكومة
حسب مقتضيات الدستور المغربي حالات خاصة متعددة، لكل واحدة منهما أحوال خاصة
وقواعد خاصة تحكمها، وتميزها في آن واحد، وسنحاول بعد ان نشرح فحواها. التعرض
لوضعيتها في ظل حالة الاستثناء .
أ-
حالة الحكومة غير
المنصبة .
معلوم أنه لا يخفى علينا
النقاش الاخير في مسألة تنصيب الحكومة في المغرب، إلا أن ما يجب الاشادة به هو ان
اصحاب الرأي في هذه المسألة وان فرقتهم الاعتبارات السياسية في تأويل الفصل 88 .
فقد اتفقوا على مسألة مهمة هي ان الحكومة لتستكمل وجودها الدستوري فانها تحتاج لإجرائين
رئيسيين، أولهما التعيين من لدن جلالة الملك، والذي تحكمه مقتضيات الفصل 47 من
الدستور. وثانيهما تنصيب البرلمان للحكومة التي تم تعيينها، وهو ماتحكمه حيثيات
الفصل 88 من الدستور . ( راجع الرأي
الفقهي المخالف، في كتاب النظام الدستوري المغربي، مصطفى قلوش، ص 225.)
وباخذنا لهذا المنطلق، الذي يقضي بالتنصيب المزدوج
للحكومة، فاننا نستنتج ان الحكومة لايجوز لها ممارسة اي صلاحية يقدمها لها الدستور
الا بتوفر الركنين او التنصيبين معا، وهذا مايعني ان الحكومة الفاقدة للتعيين
الملكي، وهو التنصيب الأولي لاتكون مستكملة لوجودها الشرعي الذي يخول لها ممارسة
اعمالها، وفي نفس الآن سؤالها. ولو حدث ان أفرزت انتخابات مجلس النواب الاغلبية المستحقة
للتعيين، اذ ان هذا الامر يبقى مجرد شرط لتحقق ركن التعيين فقط . وهو نفس الحكم
الذي سنأخذ به بالنسبة للتنصيب الثاني الذي يمارسه مجلس النواب.
وخلاصة
القول اذن، أن الحكومة غير المنصبة هي بمثابة مشروع أو مقترح حكومة يقدمه جلالة
الملك الى مجلس النواب الذي يقوم بالتصويت عليه بمضمون قبولها او رفضها وفق
الاغلبية المنصوص عليها في الفصل 88، على الرغم من ان الامر قد يبدوا في اول وهلة تصويتا على
برنامج هذه الحكومة لا الحكومة نفسها، وهو ماقد نردعليه بحجة بسيطة، اذ ان مسألة
الثقة بصفة عامة في الدستور المغربي يكون هدفها المس بكيان المؤسسة من خلال تسليط
الضوء على عمل من اعمال هذه الاخيرة، الامر الذي يعني ان المقصد اذا خالف اللفظ ،
فان المقصد يغلب على اللفظ، لان اللفظ يقوم والمقصد على خلاف ذلك . وعلى ذلك ندرك
ان للحكومة غير المنصبة وجهان ااحدهما ايجابي والىخر سلبي، أما الايجابي، فيكون في
الحالة التي تقع بين تعيين جلالته لأعضاء الحكومة المقترحة، وقبل تقديمها الى مجلس
النواب من اجل البت في برنامجها بالقبول او بالرفض. أما الثاني وهو السلبي ، فيقع
بين المدة التي تبدأ من وقت رفض مجلس النواب للتنصيب، الى حدود الفترة التي يتم
فيها التصريح من جلالة الملك بتعيين مقترح حكومة جديدة (طبعا من خلال تعيينه لرئيس
الحكومة).
وبخصوص كلا الوجهين، فاننا نلاحظ عليهما نقصا على مستوى التنصيب، وهو
مايرتب - الفكرة التي انطلقنا منها - على ذلك النموذج عدم مشروعية القيام باي عمل
من الاعمال التي يخولها الدستور للحكومة المكتملة اصلا،. فهل هذه القاعدة تأثر في
دور رئيس الحكومة في حالة الاستثناء ياترى ؟
** موقعها في ظل حالة الإعلان
عن حالة الاستثناء.
أرآيت يا سيادة القارئ، لو أننا آخذنا بما توصلنا إليه في آخر فكرة، وأضفنا
إليها أنه لو وقع أثناء إعلان جلالة الملك لحالة الاستثناء تزامن مع احدى حالات
الحكومة غير المنصبة، خاصة إذا استحضرنا ان مسألة اللجوء الى الاستشارة في ظل الفصل
59 أمر ملزم لما وضحناه قبلا. ومادام رئيس الحكومة من بين المؤسسات المستشارة في
هذا الفصل، فان الفصل لا يقصد الا الحالة الطبيعية له اي في الحالة التي تتوفر فيه
حكومته على الركنين اللذان تحدثنا عنهما سالفا. أما حالتنا هذه فهي حالة ناقصة،
تطرح امامنا مدى صحة مسطرة الاعلان أو رفع حالة الاستثناء..
وبربطنا بين هذه المسألة من جهة
وبين عنصر الاستعجال الذي تتأسس عليه حالة الاستثناء، فإننا سرعان ماسندرك بانه لا
يجوز لنا رفض الاعلان عن حالة الاستثناء تحت أي ظرف كان، ولو كان مسطريا شريطة ان
تتسم المسطرة بالنقص لا العدم، وما نقصده بهذا القول ان مجرد حدوث انعدام احدى
مؤسسات مسطرة الاعلان او الرفع، يعني مباشرة عدم صحة المسطرة، وبالتالي يكون لكل
من له المصلحة الحق في الطعن فيها، لكن مالجهة التي تختص بالبت في مثل هذه القضايا
؟
غير أننا نستوجب في شرطنا الذي وضعناه، ضرورة مراعاة نوع النقص الذي حدث،
إذ النقص في هذه الحالة قد يكون بعديا، أو قبليا. فأما عيب النقص البعدي فهو الذي
يصيب الحكومة أثناء أو بعد مزاولتها
لعملها كسحب الثقة أو الحكومة المستقيلة، ونرى في هذا العيب، ان الحكومة مادامت قد
اكتسبت تجربة ميدانية من خلال القيام باعمالها المعتادة، فإنها تكون اهلا
للاستشارة (اللجوء اجبارية) فتصح المسطرة بها، كما أن الملك يُخول ممارسة إختصاصاتها
التي كانت لهم قبل تعرضها للعارض الذي احدث لها نقصا. أما عيب النقص القبلي ( كما
في حالتنا الخاصة بالحكومة غير المنصبة) فهو ذلك العيب الذي قد يحدث للحكومة قبل
إكتمال مسطرة تنصيبها المزدوج. أي ان الحكومة فيه لم تمارس بعد أي إختصاص دستوري
لها باستثناء الاقتراح الوارد في الفقرة الثانية من الفصل47، وبالتالي ففاقد الشيء
لا يعطيه اي أن جلالة الملك يخول - حسب رأينا - اختصاصات الحكومة دون الحاجة الى إستشارة
مع رئيس هذا النوع من الحكومات.
وأما عن ما نقوي به هذا الرأي فنُرجعها الى إنعدام الصفة و المصلحة لدى الحكومة
غير المنصبة، حيث أنه حتى افترضنا تواجد هيئة تبت في المنازاعات المرتبطة باحترام
المساطر الدستورية، فانها لابد ان تطلب من رئيس الحكومة الغير المنصبة كشرط إساسي
لقبول دعواها في حرمانها من الإستشارة، صفته ومن ثم مصلحته، وهما شرطان لايتوفران
في هذه النموذج الخاص من الحكومة، فحتى لو توفرت المصلحة فانها تبقى بلا جدوى لانها
ترتبط دائما بالصفة التي تنعدم فيه الا حين تحقق التنصيب البرلماني المنصوص
عليه في الفصل 88من الدستور .
ب- حالة
حكومة تصريف الامور الجارية.
تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 47 على مايلي : " تواصل الحكومة المنتهية
مهامها، تصريف الامور الجارية الى غاية تشكيل الحكومة الجديدة. " .
وانطلاقا من هذا المعطى، يمكن ان نستنتج ان حكومة تصريف الامور الجارية هي
كل حكومة يقع تواجدها الزمني بين مدة انتهاء ولايتها الدستورية (وهذا الإنتهاء له
نوعين : انتهاء طبيعي، ويقع بانتهاء مدة الولاية الحكومية المقررة في خمس سنوات،
أما النوع الثاني، فهو انتهاء ظرفي او عارض يكون بانتهاء مدة العمل الحكومي نيجة ظرف
معين، كسحب الثقة من البرلمان أو استقالة رئيس الحكومة...) من جهة، وتشكيل الحكومة
الجديدة من جهة ثانية، من أجل تولي مهام المرحلة الانتقالية التي يكون الهدف منها
هو تأمين الوضعية قبل دخول الحكومة الجديدة حيز الوجود الدستوري .
غير ان مايطرح الإشكالية الكبيرة في هذا النوع من الحكومة هو عبارة "التشكيل"
فضلا عن طبيعة تلك الاعمال التي تقوم بتوليها. وهي إشكالياتان نتناولهما بايجاز
قبل النظر في وضعية هذا النوع من الحكومات في حالة الاستثناء.
أولا : عبارة
التشكيل بين التعيين والتنصيب .
إن لتحديد معنى عبارة "التشكيل" المنصوص عليها في الفقرة الاخيرة
من الفصل 47، أهمية قصوى في تحديد النطاق الزمني الذي تمارس فيه حكومة تصريف
الامور الجارية أعمالها. هذا خاصة إذا ما علمنا ان مفهوم التشكيل يحيط به مفهومين محورين
في مسطرة تنصيب الحكومة، وهما التعيين والتنصيب.
وقبل دراسة هذه الاشكالية، يجب الـتأكيد أولا بأن مفهوم التشكيل لا ينصرف
الى مفهوم آخر بعيد عن المفهومين التعيين الملكي اوالتنصيب البرلماني، إذ ان
القراءة المتمعنة في ذات الفصل 47 تقر بربط التشكيل بالحكومة الجديدة. هذه الاخير
التي لا تستقيم كما قلنا بذلك سلفا الا بتواجد تعيين ملكي يتبعه مباشرة تنصيب
برلماني. وهو الذي يترتب عنه ارتباط مفهوم التشكيل بأحد اثنين لا ثالث لهما .
الاتجاه الاول : التشكيل هو التعيين.
إن الافتراض بكون التشكيل بمثابة التعيين أمر يترتب عليه تقلص الآجال الذي
ينبغي فيه على حكومة تصريف الامور الجارية ان تمارس اختصاصاتها فيه، وذلك
بالمقارنة مع افتراض كون التنصيب بمثابة التشكيل..
وبالتالي فإن المدة التي تمارس فيها الحكومة، الأعمال
الجارية، تبتدأ مع إنتهاء الولاية التشريعية لمجلس النواب (وتبلغ خمس سنوات كما يبين
الفصل 62 في فقرته الاولى) الذي انتخبها، الى غاية إفراز مجلس النواب الجديد أغلبية
جديدة، يعين الملك فيها رئيس الحكومة الجديدة من الحزب المتصدر للانتخابات كما هو
مُوضَّحٌ في الفقرة الاولى من الفصل 47. وهو مايعني - حسب انصار هذا الرأي- ان
حكومة التعيين ستمارس كامل صلاحياتها دون الحاجة الى تنصيب، أو - في راي آخر موازي
- ستمارس اختصاصات حكومة تصريف الاعمال بالنيابة عن الحكومة التي سلمتها تلك
السلطة الى غاية تنصيبها، وأظنه بيت القصيد في عبارة كبير الفقه الدستوري في
بلادنا، حيث قال : "... بحيث يقتصر عملها الى حين الحصول على تزكية البرلمان
على مجرد إصدار القرارات الكفيلة بتسيير العمل اليومي للحكومة." ( د. مصطفى
قلوش، النظام الدستوري المغربي، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة
الرابعة، ص225.) ، وهما معا - في نظرنا- رأيان تَوَسَّمَا بعلة وخلل لاينبغي
السكوت عنه.
واما عن
حجية هذا الاتجاه فلعل أولها راجع الى ان الممارسة العملية الفعلة لهذا الفصل إقتضت
كون التشكيل المطروح في الفقرة الاخيرة من الفصل 47، بمثابة تعيين، بحيث أن تسليم
الحقائب الوزارية من طرف حكومة السيد عباس الفاسي السابقة لفائدة حكومة السيد بنكيران،
لم يقع الا مباشرة بعد التعيين الملكي .
أما من
جهة أخرى، فالحجية الثانية لهذا الإتجاه، قد ندركها من خلال ان الفصل 47 الذي وردت
فيه عبارة التشكيل لايمكن فهمها إلا بالتعيين، لعلة واحدة هي "ضرورة فهم
المجهول بسياقه"، إذ ان الناظر في مضمون الفصل 47 يوحي بأنه فصل لا يتحدث الا
عن التعيين، لذلك فإن مقصد المشرع الدستوري أثناء صياغته لهذا الفصل لم ينصرف إلا لغاية
إعتبار التشكيل بمثابة التعيين ذاته .
الاتجاه الثاني : التشكيل هو التنصيب .
أما اذا
افترضنا كون التشكيل هو التنصيب - وهو ما نرجحه - ، فهو على العكس يرتب تمديد
الآجال الذي تمارس فيه حكومة تصريف الامور الجارية اختصاصاتها الدستورية مقارنة مع
الاتجاه الاول .
إن إتفاقنا
مع هذا الاتجاه يقتضي منا التصريح بالدلائل الكافية المرجحة له، ولعل أرجح مايمكن
الاحجتاج به هو انتقاد ما ورد من حجج وبراهين تقوي فكرة الاتجاه الاول. ذلك أن هذا
الأخير - كما بينا أعلاه - يقضي بأن النهاية الزمنية لصلاحيات حكومة تصريف الأمور تقع
بمجرد التعيين الملكي لرئيس الحكومة، وان الحكومة المعينة من قبل جلالة الملك إما
أن تقوم بكل أدوارها الدستورية على انها قد استوفت كل الاجراءات التي تخول لها
العمل بشكل مشروع، أو ان تقوم باستلام مهمة تصريف الامور الى غاية تنصيبها.
وهذان كما قلنا رأيان لا أساس صحيح لهما، إذ ان الأخذ بالرأي الاول سيجعل
من التنصيب البرلماني أمر لاجدوى منه، بينما يبقى الرأي الثاني أيضا مجرد رأي
لاقيمة له اذا علمنا بتناقضه لمقصد الفصل 47 في فقرته الأخيرة التي تتحدث عن
عبارة، " ..الحكومة المنتهية مهامها..." وهي شرط لا يتوفر في الحكومة
الغير منصبة، لأنها لم تمارس بعد اي اختصاص .
أما عن الحجة المتعلقة بالممارسة العملية، فهي ايضا حجة مردودة على أصحابها،
لاننا لو تأملنا بشكل دقيق عبارات الفصل 47 في فقرته الاخيرة التي تتحدث عن حكومة
تصريف الأمور، فاننا سنطر السؤال التالي :
لماذا لم يدرج المشرع الدستوري هذه
الفقرة ضمن فصول الاحكام الانتقالية ؟
إن الاجابة عن هذه السؤال بصراحة سيجعل امر الرد على الحجة العملية امر
هينا وسهلا. حيث ان المشرع الدستوري لم يدرج هذه الفقرة ضمن الاحكام الانتقالية
لأنها مختلفة عن تلك الاحكام. ووجه الاختلاف كامن في ان الاحكام الانتقالية تقتضي قيام
هيئة او مؤسسة دستورية في ظل الدستور المنصرم، باعمال الهيئة او المؤسسة المقابلة
لها في الدستور الجديد الى غاية تأسيس هذه الاخيرة، أي ان هذا الأمر يتعلق
بدستورين، أحدهما قديم والآخر جديد .
بينما
فقرتنا التي نتحدث عنها لا يرتبط مضمونها بنفس الغاية، بل يرتبط الامر بحكومتين
احدهما قديمة والاخرى جديدة في ظل دستور واحد هو الدستور الحالى (2011). وهذا يعني
ان الحكومة المنصبة في ظل الدستور القديم (حكومة السيد عباس الفاسي) لا تخضع
لمقتضى هذا الفصل، وبالتالي لايمكن اخذه كحجة للقول بان الممارسة العملية اثبتت
بان التعيين هو التشكيل، بل ان حكومة السيد بن كيران الحالية والمتجهة الى الزوال
هي من ستخضع لاحكام هذا الفصل، آنذاك امكن الحديث عن هذه الحجة التي تناقض اصل
الحقيقة كمابيناها.
وخلاصة القول ان الحالة التي بمقتضاها سنتجاوز كل هذه العيوب هو اعتبار
التشكيل تنصيبا. وبالتالي تقوم الحكومة المنتهية مهامها بممارسة اختصاصات تصريف
الامور الى حين تنصيب مجلس النواب لحكومة التعيين، كما انها ستمارسها لو حدث ان
وقع حل البرلمان من طرف الملك لمرات عديدة بحجة رفضه تنصيب حكومة التعيين كما هو
مقرر في البند الأخير من الفصل 98 من الدستور .
ثانيا : طبيعة الاختصاصات التي
تتولها حكومة تصريف الامور الجارية .
من الصعب تحديد المغزى من عبارة تصريف الامور
الجارية قبل صدور القانون التنظيمي للحكومة القاضي بالتفصيل في ذلك بناء على الفصل
87 من الدستور، إلا ان ما نعرفه، هو أن قصد المشرع الدستوري في هذه العبارة قد
انصرف الى توضيح ان تصريف الامور الجارية يبقى فقط جزء من الاختصاص الأصلي للحكومة
المكتملة التنصيب المزدوج. أي ان حكومة تصريف الامور لا يجوز لها ان تمارس
اختصاصات تدخل ضمن الأجزاء الآخرى. لذلك فاننا نستنتج حكومة تصريف الاعمال تشكل
القاعدة الاصل في اختصاص الحكومة العادية، اي الاختصاص الذي تتمتع بها هذه الاخيرة
دون ان تحتاج الى نص دستوري يبين لها ذلك. وهو اختصاص يتميز بالمرونة والقابلية
للتوسع، ألا وهو الحرص على السير العادي والمضطرد للمرافق العامة في الدولة. فحكومة
تصريف الأمور إذن، تقوم بممارسة كل الصلاحيات المتعلقة بالسير العادي للمرافق، وهي
مهمة قد تنفذ عند الضرور في تقدير الحكومة، الى اي اختصاص حكومي اخر لا يعتبر في الاصل
ضمن مجال استمرارية عمل مرافق الدولة. وهي اختصاصات تمارسها حكومة التصريف بناء
على برنامجها الذي كانت تعمل به قبيل انتهاء ولايتها الدستورية.
ثالثا: الوضعية الدستورية لحكومة تصريف الامور في ظل حالة الاستثناء.
و رجوعا بنا إلى القاعدة التي وضعناها من أجل
إظهار مدى صحة الاستشارة الواردة في الفصل 59 بالنسبة للحالات الخاصة للحكومة من عدمها،
نستنتج أن حكومة تصريف الامور هي بمثابة نوع من الحالات الخاصة للحكومة التي لها
طابع النقص البعدي .
وبناء عليه، فإنه لو حدث أن رأيت ياسيادة القارئ، ان حالة الاستثناء قد
اكتملت اركانها الموضوعية في ظرفية تكون فيها الحكومة التي ينبغي على الملك استشارة
رئيسها، في حالة حكومة تصريف الامور أو أي حكومة اخرى لها طابع النقص البعدي، فان
تجاهل جلالته لرئيس هذه الحكومة امر لا يجوز، كما انه لا يجوز القول باختيارية
لجوئه الى استشارة رئيسها، بل على العكس من ذلك تماما، لزمه الالتجاء الى هذه
الاستشارة.
وأما عن حجتنا، فدعونا نرجع من جديد الى مقتضيات الفصل 47 في فقرته الاخيرة،
حينما تقول : "تواصل الحكومة المنتهية مهامها، تصريف الامور الجارية الى غاية
تشكيل الحكومة الجديدة ". ونذكر منذ أمد غير بعيد أننا صرحنا بأن الامور
الجارية التي تقوم بها الحكومة مرتبطة بالأساس بمبدأ إستمرارية المرفق، وهي اختصاص
يتميز بالمرونة والقابلية للتوسع، وبالتالي فإن حكومة تصريف الأمور وما جرى مجرها،
تمتلك بعد إنتهاء عملها هذا الاختصاص الذي بسلطتها التقديرية قد توسعه ببرهان مبرر،
ليشمل أيضا اختصاص الحكومة العادية في ميدان حالة الاستثناء، سواء بقيام رئيسها
بدور المستشار في الاعلان أو في الرفع، او
بقيامها في ظل حالة الاستثناء بأعمال لها صفتان، الصفة الاولى انها تهدف الى ضمان
استمرارية المرافق، أما الصفة الثانية انها لا يجب ان تدخل في مجالات الدفاع ولو
استهدفت هدف الصفة الاولى .
هذا
بالاضافة الى ان خاصية المرونة التي تحدثنا عنها، لا يمكن بموجبها ان يتجاهل الملك
اختصاصات حكومة تصريف الأمور، إذ أن امتلاكها هذا قد يصل في غالبه الى درجة
ارتباطه بميادين الدفاع المقررة في يد الحكومة العادية، وأن الاستشارة ايضا كما
قلنا لاتوجه الا لاصحاب الخبرة والممارسة، وهما معا أمران يتجهان في مصلحة إجبارية
استشارة رئيس حكومة تصريف الامور الجارية أثناء اعلان حالة الاستثناء.
2- البرلمان :
بعدما تطرقنا
في سابق الكلام عن بعض الحالات الخاصة للحكومة، وموقع كل منها في مسطرة إعلان حالة
الاستثناء، سنحاول في هذه النقطة تسليط الضوء الكاشف عن بعض الحالات الخاصة التي قد
تحدث للبرلمان والتي في نفس الوقت قد تؤثر على موقعه الدستوري أثناء إعلان حالة
الاستثناء، ومن أجل ذلك اقترحنا التعرض للحالات الاتية :
أ- حالة مابين الدورات البرلمانية.
تعتبر حالة
الفراغ البرلماني المؤقت الذي يحصل بين الدورات، من بين المظاهر التي لايقوم بها
البرلمان بعمله المعتاد، حيث انه يحتاج بناء على هذه الحالة الى مدة زمنية محددة
وغير معينة ليعود الى حالته الطبيعية، ذلك ان الفصل 65 - الذي ينص على مايلي :
" يعقد البرلمان جلساته أثناء دورتين في السنة، ويرأس الملك افتتاح الدورة
الاولى، التي تبتدأ يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، وتفتتح الدورة الثنية يوم
الجمعة الثانية من شهر ابريل..." - لم يقم بشكل مباشر بتعيين آجل انتهاء مدة
الدورات في حد ذاتها، وهو مايفيد اتصاف مدد هذه الدورات بالتمدد، ماقد يرتب في
الواقع ولو بشكل استثنائي انعدام اي فراغ مؤقت. ولفهم كل هذه الامور دعونا نتعرض
لتحليل النصوص الدستورية المرتبطة بهذه الحالة.
إن للبرلمان المغربي حسب ما أشرنا اليه قبل قليل، دورتان عاديتين، فضلا عن
امكانية عقد دورة استثنائية بناء عن الفصل 66 وهو مايدل على تواجد فراغ برلماني تعقد
فيه هذه الدورة. لذلك فلتحديد هذا الفراغ، يكفي القول بان الحدود القانونية
للدورات البرلمانية حسب الدستور هي ثلاثة
أنواع : النوع الاول وهو الحد الاختياري، بموجبه يختار البرلمان الأجل الذي تنتهي
فيه الدورة، وهو اجل ينزل على الاربع اشهر على ابعد تقدير، اما النوع الثاني ونسميه
بحد الجواز، حيث انه لا يقع الا بشرطين أولهما ان تمتد الدورة اربعة اشهر على
الاقل، وثانيهما ان يتم الختم بمرسوم (الفصل 65 الفقرة الاولى منه). اما النوع
الثالث فقد نسميه بحد الدورة بقوة القانون، ويكون بامكانية تجاوز الدورة البرلمانية
لمدة الاربع اشهر اذا لم يتوفر الشرط الثاني، لكنها لا يجب ان تمتد الى درجة تدخل
فيها المجال الزمني للدورة البرلمانية التالية.
1- صحة مسطرة الاستشارة، بوجود فراغ برلماني .
إن أول مايجب ان نقره في هذا الباب، هو ان الفراغ البرلماني المؤقت الذي
يحدث بعد نهاية دورة برلمانية واحدة وقبل بداية الدورة التالية، ليس له بالضرورة
علاقة مباشرة بمسطرة الاستشارة الواردة في الفصل 59 الخاص بتوضيح احكام حالة
الاستثناء، لأن هذا الفراغ لا يعني بالضرورة إزاحة رئيسي مجلسي البرلمان عن القيام
بكامل أعمالهم، بل ان اعمالهم المرتبطة بتسيير الجلسات هي من تكون في عداد هذا
الحكم. أما بالنسبة للإختصاصات الخارجة عن الجلسات كالاختصاصات التي تدخل في مجال
صلاحيات مكتبي المجلسين ( مقتضيات الفقرة
الاولى من الفصل 130 )، وكالإستشارة... فإنها صلاحيات لايمكن ان تحكمها مسألة
الدورات البرلمانية أو كل مايتعلق بها. وبالتالي فان حدوث حالة الاستثناء في هذه
الحالة ولحد الآن لايجعل امام جلالة الملك اي عائق مسطري فيه لبس او خلل .
بيد
أننا وإن سلمنا بالفكرة السابقة، فإننا سرعان ماسنجد إشكالية أخرى لا تبتعد عن هذا
الميدان، ولعلنا نكون في مواجهة هذه الاشكالية اذا أمعنا الملاحظة في نص الفصل 62
في فقرته الثالثة التي تقول مايلي : " ينتخب رئيس مجلس
النواب وأعضاء المكتب، ورؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها، في مستهل الفترة النيابية،
ثم في سنتها الثالثة عند دورة ابريل لما
تبقى في الفترة المذكورة."
إن ما نلاحظه
في هذا الفصل، أن في كل ولاية نيابية لمجلس النواب ينتخب رئيسان، الاول مع بداية
الولاية النيابية للمجلس، والثاني في السنة الثالثة من نفس الولاية، وهو النص الذي
سايره النظام الداخلي لمجلس النواب ( وهو النظام الذي أقره المجلس الدستوري بناء
على قراريه، 924 و 929، سنة 2013 .) في فصوله من 15 إلى 18 .
وبأخدنا للفصول من 15 الى 17 من نفس النظام، فإنه يتضح لنا انها فصول تنظم مسطرة
انتخاب رئيس مجلس النواب، غير أن السؤال الذي يراودنا، هو في حالة حدوث
شغور منصب رئيس المجلس مباشرة بعد الجلسة الاخيرة من دورة أكتوبر، وقبل إنعقاد
دورة أبريل التي سينتخب فيها الرئيس الثاني لمجلس النواب، وحدث أيضا ان وقع في هذه
المدة (وهي مدة فراغ مؤقت) ما يشير الى ضرورة اعلان حالة الاستثناء، عندها مالحكم
الذي يصلح تطبيقه في هذه الأثناء مع مراعاة هذا الإنعدام، فضلا عن عنصر الاستعجال
الذي تتسم به حالة الاستثناء بصفة عامة من إعلانها الى رفعها ؟
لعل (المتسرع) في تصفح النظام
الداخلي لمجلس النواب، سيقول أن المادة 18 من هذا النظام تعد جواب على هذا السؤال، غير ان ذلك في مخالف
للحقيقية بعلة في ذات النص. ولذلك لابأس في أن نتعرض لمقضيات هذا الفصل كالاتي :
" في حالة شغور منصب رئيس
المجلس لسبب من الأسباب، يتم انتخاب رئيس جديد لما تبقى من الفترة الأولى أو
الثانية في اجل حسب الحالتين التاليتين:
-
إذا كانت الدورة منعقدة، في مدة أقصاها خمسة عشر يوما.
-
في الفترة الفاصلة بين
الدورات، يتعين عقد دورة استثنائية في مدة أقصاها 15 يوما، من تاريخ شغور منصب
الرئيس.
إلى حين انتخاب الرئيس الجديد، يقوم مقام
الرئيس أحد نواب الرئيس السابق حسب ترتيبهم ويمارس كل اختصاصات الرئيس باستثناء
الاختصاصات المنصوص عليها في الفصول 44 و 54 و 55 و 59 و67 و 79 و 96 و 104 و 132
من الدستور." .
من هذا النص يظهر لنا جليا أنه
يصعب إيجاد فراغ على مستوى شغور منصب رئيس المجلس، لفائدة تحسب لمصلحة المشرع هي
فكرة النواب الذي يبلغ عددهم - حسب هذا النظام - ثمانية نواب للرئيس. هذا ايضا
بالاضافة الى فكرة اعلان انتخاب الرئيس الجديد في اجل محدد أدناه في يوم واقصاه في
15 يوما .
غير اننا لا يمكن ان نكتفي بالفقرة الاولى من هذا الفصل أو حتى ايضا
بالمقطع الاول من الفقرة الاخيرة، لان هذه الاخير طرحت مجال عدم إختصاص النائب في
مواد محددة على سبيل الحصر، وهو مايعني حرمان نائب الرئيس الذي حدث له سبب الشغور
من ممارسة بعض الاختصاصات التي تدخل في حضنها حالة الاستثناء المنظمة في الفصل 59.
وهو مايعني اننا رجعنا الى نقطة الصفر بالنسبة للبحث عن جواب لسؤالنا .
وعليه فاننا نستنتج أن المادة 18 من النظام الداخلي لم تراعي عنصر الاستعجال
الذي تتميز به مسطرة الاعلان عن حالة الاستثناء، إذ أن جلالة الملك اذا كان ملزما
باللجوء للاستشارة فانه سيلاقي امامه فراغ عندما يقرر اللجوء الى رئيس مجلس النواب
لغاية إستشارته، فهل يستشير الرئيس الذي حدث له سبب الشغور وهو امر ليس بالهين
خاصة اذا ارتبط السبب باحدى صور انعدام الاهلية مثلا، أم انه سيخرق مقتضى المادة
18 ليستشير نائب الرئيس . وما يدل ايضا على هذا المال لعنصر الاستعجال، هو ماقررته
نفس المادة في أن الاجل الاقصى الذي يمكن فيه تعيين الرئيس الجديد بعد وقوع حالة
الشغور هو 15 يوم وهو في نظرنا، أجل لم يراعي فيه مجلس النواب (أعضاء ورئيسا) الذي
صوت على هذا النظام، أن لرئيس المجلس صلاحيات تتطلب الاستعجال والكثير من الحذر.
بصراحة، لا أدري كيف مرت مثل هذه المادة من المجلس الدستوري،(غير المختص) من
الرقابة !!!
2- رأينا في ماينبغي إتباعه في إشكالية الفراغ
المؤقت وحالة الاستثناء .
وبعد
إطلاعنا نصوص الدستور، فضلا عن النظام الداخلي لمجلس النواب، وأدركنا حينها
بحتمية، مأزق الاستشارة الملكية لرئيس مجلس النواب في حالة الشغور، فإن الامر الذي
يجب التذكير به، في انه سبق وأن صرحنا بأن صحة مسطرة الاستشارة متوقف على انعدام
اي عيب من عيوبها، وبينا ان عيوبها اما يكون على شاكلة الانعدام او على شاكلة
النقص، ثم فصلنا في ان للنقص نوعان نقص بعد ونقص قبلي، غير اننا في حالتنا هذه لا
نكون امام نقص بل نكون امام انعدام لمؤسسة تدخل وجوبا في مسطرة الاستشارة.
إن
اشارتنا في هذه المقالة ألى ان عيب انعدام المؤسسة يؤدي مباشرة الى بطلان مسطرة
الاستشارة، أمر لم نأخذه بتاتا بإطلاقيته، إذا اننا نميز بين الانعدام بسبب وبين الانعدام بغير سبب، وبالنسبة
لهذا الأخير فهو يكون عند حالة الرفض الصريح للمسؤل عن القيام بمهمته الاستشارية
(وتكون قليلة الحدوث بل)، وهي في رأينا بمثابة رفض للقيام باي عمل، مما يترتب عنه
ضرورة اتخاذ اجراءات التاديب اللازمة ولعل اقصاها واقربها الى الصواب هي العزل
وتجاوز المستشير لإستشارته أو من سيأتي بعده في حالة الاستعجال. أما النوع الأول
فيجب تحديد السبب فيما اذا كان مشروعا أو غير ذلك، فإذا كان الانعدام راجعا الى
سبب غير مشروع آنذاك كان للمؤسسة التي انعدمت ان تطالب باستفسار رسمي لذلك، أو ان
ترفع دعوى عدم تطبيق مقتضيات الدستور، وهنا ايضا نرجع الى فكرة انعدام المؤسسة
المختصة بذلك في الدستور الحالي. أما في الحالة التي يكون فيها سبب الغياب او
الانعدام مشروعا كما في حالتنا هذه، فإنه يتم تغليب عنصر الاستعجال على النص،
فيكون بذلك جلالة الملك في غنى عن تلك الاستشارة ولو ألزمه النص بذلك. وقس على ذلك
ما شئت، كما في حالة حل البرلمان من طرف الملك ولو كان حلا ذا غاية حرماني، لانه
لايكون ملزما بالتبرير وهو عكس الامر بالنسبة لحق رئيس الحكومة في الحل لانه مقيد
بما ينص عليه الفصل 104 . أما بالنسبة لحالة مابين الولايتين التشريعيتين لمجلس
النواب حيث يكون فيه الرئيس غائبا، فنشير الى انه ليس هناك مايمنع رئيس مجلس
النواب المؤقت من ممارسة صلاحيات الاستشارة سواء المتعلقة بالفصل 59 او غيره .
ب- حالة التقادم الدستوري
للبرلمان وإشكالية التنزيل السليم الفصل 176.
أما عن التقادم الدستوري لمجلسي البرلمان أو
أحدهما، فالمقصود بها ان تكون ولاية المجلسين قد انتهت انتهاء دستوريا، أي ان
تعديلا دستوريا حدث قد قام بالغاء المؤسسات الدستورية القديمة، ومن بينها البرلمان،
ليقيم مكانها مؤسسات جديدة وبرلمان آخر جديد، وهو الامر الذي يخلق بين الفترتين،
مدة زمنية، لم يغفل الدستور المغربي الحديث عنها في اطار الفصل 176. لذلك نقترح تحليل
مقتضيات هذا النص اولا، قبل إبراز الحكم الذي نقترحه في هذه الحالة الخاصة بالنسبة
لمسطرة إعلان حالة الاستثناء .
ينص الفصل 176 من الدستور المغربي
على انه : " إلى حين انتخاب مجلسي البرلمان، المنصوص عليهما في هذا الدستور،
يستمر المجلسان القائمان حاليا في ممارسة صلاحياتهما، ليقوما على وجه الخصوص،
بإقرار القوانين اللازمة لتنصيب مجلسي البرلمان الجديدين، وذلك دون إخلال بالأحكام
المنصوص عليها في الفصل 51 من الدستور." .
وتأسيسا على هذا الفصل، يمكن أن نقول
أن المشرع الدستوري أخذ معيار الوحدة في خطابه الموجه نحو غرفتي البرلمان، بحيث ان
المجلس الواحد ليست له أية قيمة بالنسبة للمجلس الآخر على الاقل عند الإنتقال من
مجلسين يحكمهما التعديل الدستوري لسنة 1996 إلى مجلسين جديدين تحكمها مقتضيات
التعديل الاخير. وهذا يعني ان ما أثبتته الممارسة الواقعية لتنزيل مقتضيات هذا
الفصل أمر ليس بالسليم ولا بالجائز، حيث أنها توجهت نحو ارساء مجلس النواب وفق
التعديل الاخير وبقاء مجلس المستشارين الذي كان قد أنتخب بناء على الدستور القديم .
ان تصور وقوع ما يُشَرِّعُ اعلان حالة الاستثناء،
ونحن في هذه الوضعية الراهنة التي يعتبر فيها مجلس المستشارين في حالة تقادم
دستوري كما أوضحنا سالفا، أي ان الملك في اطار مسطرة الاعلان عن حالة الاستثناء
يكون امام ضرورة أن يحدد هل رئيس مجلس المستشارين يكون أهلا للاستشارة أم لا ؟
وفي هذا نرى أن سبب غياب المجلس يكون سببا كافيا ليكون مشروعا، ذلك أن سبب
عدم انتخاب مجلس المستشارين لايعود الى حالة دستورية، بل راجع الى تأويل غير سليم
لنص دستوري، وبالتالي فهذه الممارسة غير السليمة بمثابة خرق سافر للدستور، وهو
مايمكن ان نقول عنه ما اسس على باطل فهو باطل، اي ان استشارة الملك لرئيس مجلس
المستشارين الذي يكون في مثل هذه الوضعية قد تصير باطلة لان وضعية المؤسسة
المستشارة غير دستورية، وبالتالي فلضمان السلامة في التطبيق يجب على الملك ان يرعي
عنصر الاستعجال الذي تتميز به حالة الاستثناء، وعليه فالملك لا يضطر الى استشارة
هذه المؤسسة بل يجب الاستعجال في انتخاب المجلس بشكل سليم قبل نهاية حالة
الاستثناء .
3-
المحكمة الدستورية :
إن إقرارنا بأن الوضعية العادية للمحكمة
الدستورية أثناء إعلان حالة الاستثناء، تكون في حكم التعطيل بالنسبة لإختصاصاتها،
ماعدا تلك المنصوص عليها بالذات في الفصل
59 من الدستور، لاتجعلنا نقف مكتوفي الايدي بالقول انه لايمكن العثور على أية حالة
خاصة للمحكمة الدستورية لحجة تَعَطُّلِهَا عن القيام بأي اعمال تحت طائلة هذا
الظرف. بل ان بصيص الامل المتعلق باختصاص المحكمة الدستورية بمسألة الاعلان والرفع
الواردان في الفصل 59، قد يطرح امامنا امكانية العثور على حالة خاصة لايمكن تجاوز
اهميتها .
إن الحالة الخاصة التي نقصدها، لايمكن ان تعدوا الا الحالة المنصوص عليها
في الفصل 177 من الدستور المغربي، وهو ينص
على الاتي : " يستمر المجلس الدستوري القائم حاليا في ممارسة صلاحياته، الى
ان يتم تنصيب المحكمة الدستورية المنصوص عليها في هذا الدستور."
وبتحليلنا لهذه المقتضيات، نجد ان قصد المشرع الدستوري قد انصرف الى ان
المجلس الدستوري، وهو الذي تم التنصيص عليه في دستور 1996، يقوم بمواصلة عمله، الى
ان يتم تنصيب المحكمة الدستورية كبديل منصوص عليه في التعديل الدستوري الأخير خاصة
من الفصل 129 الى الفصل 134. وهو مايعني ان المجلس الدستوري لا يجوز له ان يمارس
الاختصاصات الموكولة للمحكمة الدستورية في ظل التعديل الدستوري الأخير، لان صلاحياته
المشار اليها في الفصل 177 لا يمكن ان نجدها في هذا التعديل الدستوري الاخير بل اننا نجدها في اطار الدستور المراجع لسنة 1996
اضافة الى مايبينه القانون التنظيمي رقم 93.29 الذي يتعلق بالمجلس الدستوري ذاته.
لعل الفائدة من هذا الشرح، كامنة في ان سلطة إستشارة رئيس المحكمة
الدستورية في اطار الفصل 59، هو أيضا يدخ ضمن اختصاصات المحكمة الدستورية في هذا
الدستور، وبالتالي فحسب شرحنا لفصل 177 لا يجوز لرئيس لمجلس الدستوري ان يحل محل رئيس
المحكمة الدستورية في هذه الاستشارة، وهو مايترتب عنه فراغ من جهة المحكمة
الدستورية التي يدخل استشارة رئيسها ضمن الاجراءات الوجوبية لاعلان او رفع حالة
الاستثناء . وبالتالي فما موقع هذه الوضعية على مستوى الاعلان عن حالة
الاستثناء التي تتسم بطابع الاستعجال ؟
وأما عن
رأينا في هذا الباب، فلعلنا في حاجة ماسة لغاية فهم الوضع فهما سليما، استرجاع ماقلناه
عن الانعدام بسبب و الانعدام بغير سبب ، وبربطنا لهذا المعطى مع
مابصرناه في تحليل الفصل 177 ، فان وضعية المحكمة الدستورية هذه تعتبر وضعية معللة
بسبب مشروع، مادامت الحكومة قد طبقت الفصل 86 من الدستور تطبيقا سليما، وبالتالي
فيكون الملك في غنى عن الاستشارة بتغليب طابع الاستعجال الذي يستمد مشروعيته من
أحكام الفصل 59 على النص ذاته الذي يقر باجبارية اللجوء الى الاستشارة، أما عن المجلس
الدستوري فلا يكون جلالته مُلزم اللجوء الى إستشارة رئيسه، بل تبقى خبراته في محل
اختيار اللجوء اليها .
وخلاصة القول هي أن المشرع الدستوري، كان بإمكانه
ان يتفادى مثل هذه الوضعية بشكل نتفادى به المشكل الذي يترتب عن هذه الوضعية، إذ أن
الفصل 177 من هذا التعديل يقابله في الدستور المراجع في سنة 1996 الفصل 108 الذي
ينص على مايلي : " إلى أن يتم تنصيب المجلس الدستوري، حسب تركيبته المنصوص
عليها في هذا الدستور، يمارس المجلس الدستوري القائم حاليا الاختصاصات المسندة اليه
باحكام الدستور والقوانين الاختصاصات المسندة اليه باحكام الدستور والقوانين
التنظيمية.". وهو نص على هذا الاعتبار اكثر وضوحا وسلامة من النص الحالي. اذ
انه أخذ في توضيح مجال الاختصاص الذي يناله المجلس الدستوري المنصب بموجب تعديل
1992. غير ان المشكل في هذا الفصل اانه لايحدد اي الدستورين سيطبق المجلس الدستورى
احكامه. وهي نقطة حسمها مقتضى الفصل 108 من دستور 1992 عندما نص على مايلي :
" إلى ان يتم تنصيب المجلس الدستوري تمارس الغرفة الدستورية بالمجلس الاعلى
جميع الصلاحيات التي يخولها الدستور إياه."
خاتمة :
إن المقصد من هذه المقالة ليس تبيان نواقص الدستور وعيوبه.. او تبيان اوجه
الحسن والاتقان فيه في راينا، وانما هو محاولة لاحياء مناهج مذهب عظيم وجليل من
براثن الماضي والجهل ، فهي كما تَلحظون خاصة عند مناقشتنا للإشكالية الاولى
والثانية، لم نركز فيها على مايقع في آن كتابتها، بل هي توحي الى احتمال قد يقع في
لاحق ماقد يأتي اذا ثبت العمل بهذا الدستور زمانا يكفي لوقوعها ، ولعل هذا هوما قد
ورد في المذهب الأراتي القائل بنفس الفكرة .
ونحن في ختام الكلام، لا يسعنا الا ان نقول مثل مقاله الفقيه الاعظم ابو
حنيفة النعمان عندما خاطب قائلا " لقد علمنا هذا رأيا، فمن جائنا باحسن منه
قبلنها " فما ثبت بيقين فلايزول الا بيقين مثله، والله اعلى وأعلم.
Enregistrer un commentaire