مدونة عبد الاله دريف

مدونة للتحديث الفقهي و التأصيل المذهبي

في التعليق على تعيين بعض أعضاء المحكمة الدستورية بالمغرب





في التعليق على تعيين بعض أعضاء المحكمة الدستورية بالمغرب




الباحث: عبد الاله دريف
الصفة: باحث بجامعة محمد الخامس، الرباط
للتواصل:
Facebook : abdalilah_dri


بعدما شهدنا معا يا قارئي العزيز الحدث الدستوري البارز بالمغرب بتاريخ 04 أبريل

2017، وهو تعيين النصف الملكي من أعضاء المحكمة الدستورية ليكتمل تأليفها بعد

انتظار طال لمدة تقارب ست سنوات إذا احتسبناها من تاريخ دخول الدستور حيز النفاذ.
سيبدوا لك بان حديثنا ربما سيطول كثيرا، لكن وقد ألفنا معا يا قارئي العزيز طريقة التركيز، آثَرْتُ ان أُحدثك اليوم فقط عن قضية تعيين الملك للسيد عبد الاحد الدقاق كعضو في المحكمة الدستورية وهو الذي يمكن القول عنه انه  سبق وان عُيّنَ بالمجلس الدستوري في الفترة من  2002 ، وكذا السيدة السعدية بلمير سنة  1999.
أما السؤال الذي ستحيط به وانت تقرأ فهو: هل قرار إعادة تعيين الملك للسيدة السعدية بلمير والسيد عبد الاحد الدقاق في المحكمة الدستورية أمر صائب من الناحية الدستورية؟
أعتقد ان هذا السؤال لحد الآن سيثير لديك نوعا من الاستغراب يحفزك لطرح تساؤلات أخرى مما سيدفعك لإتمام القراءة، لكن ما أستطيع ان اخبرك به الان هو أن الجواب على هذا السؤال لا شك وانه سيوضح امامك الصورة الحقيقية للنصوص القانونية.
وعلى كل فان الإجابة على هذا السؤال لن تكون بعيدة عن مقتضيين: الاول هو المقطع الثاني للفقرة الأولى للفصل 130 من الدستور، وقد جاء فيه أنه: "تتألف المحكمة الدستورية من اثني عشر عضوا، يعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد ...". والثاني هو الفقرة الأخيرة من الفصل 79 من دستور 1996 والذي جاء فيها: " مهمة رئيس وأعضاء المجلس الدستوري غير قابلة للتجديد. "
هذين المقطعين سيبدوان لك وكان لهما علاقة ما بقضية التعيين أعلاه، إلا ان ما تتصوره الآن في ذهنك المشوش يمكنك أن تحيط عليه بسؤالين: هل حقا ان الملك قد خرق الدستور بإعادة التعيين هذا؟ لا لا ... لابد وأن في الامر شيئا غير واضح !. هل الملك لم يخرق فحوى المقطعين؟ لا لا ... اين الدليل؟  
لا شك أنك الان تريد جوابا مقنعا يقضي على تشويشك الفكري هذا، لكن فقط أعطني فرصة لأقدم لك هذين الافصاحين وانا أعدك باني سأجيبك في اول سطر بعدهما.


الإفصاح الأول: تعيين السيدة السعدية بلمير والسيد عبد الاحد الدقاق على ضوء منطق الدستور الجديد
الإفصاح الثاني: تعيين السيدة السعدية بلمير والسيد عبد الاحد الدقاق على ضوء منطق المراجعة الدستورية
الإفصاح الأول: تعيين السيدة السعدية بلمير والسيد عبد الاحد الدقاق على ضوء منطق الدستور الجديد
موقف الملك في التعيين سليم من الناحية الدستورية ولا نقاش ولا جدال في ذلك. ! ستسألني كيف ذلك؟ اليس هذا معناه أنك تعطل مقتضى " غير قابلة للتجديد" المنصوص عليها في المقطع الثاني اعلاه، وكذا في دستور 1996 (الفصل 79 الفقرة الثالثة). اليس فيما ستقوله كدليل شيء من الحيف على هذا المقتضى الواضح؟
من حقك ان تسأل، ومن حقي ان ابرهن لك لما قلت ذلك الكلام، وكي لا أطيل عليك سأخبرك بان تطبيق قاعدة "الأصل أن النص الجديد يقع بالتصريح أو بغلبة التعديل" هو ما جعلني أصرح بهذا الرأي، فكيف ذلك؟
أولا، يجب ان تعلم بان القصد من هذه القاعدة هو ان أي دستور يستحيل وصفه بالجديد، الا إذا تم التصريح بذلك بشكل واضح، او وقع تعديل معظم نصوص الدستور القديم، وينتج عن هذا ان مفهوم الدستور الجديد يعني ان نقطع مع نصوص الدستور القديم كلها من حيث التطبيق، أي ان الجديد ينسخ القديم كما هو معروف.
وبالتالي فإن انطلاقنا من فكرة ان الاستفتاء الجاري سنة 2011 بالمغرب وَلَّدَ لنا دستورا جديدا، أمر يوجهنا لا محالة الى القول باننا قد قطعنا تماما مع كل ما يتعلق بالدستور القديم أي دستور 1996، ماعدا ما سمح له الدستور الجديد بالامتداد في التطبيق، وهذه النصوص أتت على سبيل الحصر في الباب المتعلق بالأحكام الانتقالية. وأنا أعلم لحدود الساعة ان البعض مازال يتساءل عن علاقة كل هذا بالسلامة الدستورية للتعيين الملكي للسيدة السعدية بلمير و السيد عبد الاحد الدقاق، فإليك ما تبحث عنه يا صاحبي !
إن العلاقة بين صحة تعيين السيد السيدة السعدية بلمير والسيد عبد الاحد الدقاق
كعضو بالمحكمة الدستورية، بما قُلناه عن قاعدة "الأصل أن النص الجديد يقع بالتصريح أو بغلبة التعديل" سندركها بجلاء عندما نربط مباشرة القاعدة بعبارة "غير قابلة للتجديد" الواردة في الفصل 130 من الدستور أعلاه. دعني أوضح لك أكثر ! الفصل 130 بمجمله هو فصل ورد في الدستور الحالي الجديد، وبالتالي فهو فصل ينسخ الفصل 79 الذي يقابله في دستور 1996 (الدستور القديم). بمعنى آخر ان كل ما وقع من تطبيقات للفصل 79 وخاصة الفقرة الأخيرة منه التي تنص على "مهمة رئيس وأعضاء المجلس الدستوري غير قابلة للتجديد." لا يتعدى نطاقها الزمني الفترة الممتدة بين بداية نفاذ الدستور في 1996 إلى نسخه في 2011، وبما أن تعيين السيدة السعدية بلمير والسيد عبد الاحد الدقاق قد تم في المرة الأولى في نطاق الدستور القديم المنسوخ، فان أساس الالتزام بالفقرة الأخيرة من الفصل 79 من هذا الدستور لم يعد جائزا، وان تعيين الملك له في المرة الثانية لم تكن بناء على نفس مقتضيات التعيين الأول، بل كانت مبنية على مقتضيات أخرى هي مقتضيات الدستور الجديد. ولتفهم هذا التصور قطعا عليك بهذا الشكل الاتي:   


الحالة
النطاق الزمني لتطبيق دستور 1996
النطاق الزمني لتطبيق دستور 2011
النتيجة
التعليل
1
تعيين لمرة واحدة
تعيين لمرة واحدة
الحالة دستورية
وهي كالحالة
التي ندرسها
والسبب أن عبارة "غير قابلة للتجديد" الواردة في الفقرة الأخيرة من الفصل 79 لدستور 1996، غير مفعلة لأنها طيلة مدة تطبيقها لم تعرف سوى تطبيق واحد. وان التعيين الذي وقع في 2011 جاء بعد نسخها نهائيا.
2
تعيين لمرتين
عدم التعيين
الحالة
غير دستورية
والسبب أنه لم يتم احترام عبارة "غير قابلة للتجديد" الواردة في الفقرة الأخيرة من الفصل 79 لدستور 1996، لأن التعيين وقع لمرتين خلال مدة تطبيقها.
3
عدم التعيين
التعيين لمرتين
الحالة
غير دستورية
والسبب أنه لم يتم احترام عبارة "غير قابلة للتجديد" الواردة في الفصل 130 من دستور 2011، لأن التعيين وقع لمرتين خلال مدة تطبيقه.

حسنا، سأكون سعيدا جدا لو لاحظتَ توا بأن الفصل 79 من الدستور المنسوخ والفصل 130 من الدستور الجديد، قد تضمنا نفس المقتضى. لأنك حينها بلا شك ستقول في ذهنك لما لا يجوز أن يستمر تطبيق المقتضى القديم مادام انه لم يتغير ولم يمسه أي تعديل ؟
عندها سأجيبك بانه بطرحك لهذا السؤال فأنا أجزم بانه حان الوقت لنقلب الحقائق رأسا على عقب من جديد، ليس لأني ارغب في تشويشك بعدما توضحت لك الامور، ولكن لإزالة التشويش الذي اعتراك من بداية المقال، والذي كان السبب فيه ان مقتضى قابلية التجديد في الفصل 130 من الدستور كان منذ البداية مفتوحا على تأويلات متعددة. وستفهم قصدي وتنال جوابك لو اتممت قراءة الشق الثاني من هذا المقال.


الإفصاح الثاني: تعيين السيدة السعدية بلمير والسيد عبد الاحد الدقاق على ضوء منطق المراجعة الدستورية
تفاديا لخلط الأمور دعني اخبرك بأننا سنحتفظ بكل المعطيات السابقة من: الفصلين 130 و79 وكذا واقعة التعيين، لكن سنغير سويا مسالة واحدة فقط هي قاعدة الأصل أن النص الجديد يقع بالتصريح أو بغلبة التعديل، بقاعدة جديدة هي الأصل ان التعديل يقع بغلبة او بلا غلبة، وسترى معي كيف سيذهلك الأمر. لأني سأجعلك هذه المرة تكتشف حقيقية سلامة او لا سلامة التعيين الملكي من الناحية الدستورية للسيدة السعدية بلمير والسيد عبد الاحد الدقاق كعضوين في المحكمة الدستورية.
لنبدأ بشرح قاعدتنا الجديدة "الأصل ان التعديل يقع بغلبة او بلا غلبة"، والقول فيها بان كل ما وقع تعديله بنص التعديل فهو تعديل غلب او لم يغلب، فالتعديلات الجديدة سواء كانت أكثر أو أقل من النصوص الغير المعدلة، تكون تعديلا فقط إذا تحقق شرط ان عملية التعديل في حد ذاتها قد وقعت بناء على النصوص القديمة، وانه إذا لم يتحقق هذا الشرط فإننا لا نكون امام تعديل بل امام شيء جديد، وبالتالي فدستور 2011 كان مجرد تعديل لدستور 1996، بعلة أنه تم عن طريق عملية الاستفتاء المنصوص عليها في الفصل 105 من مراجعة 1996. وهذه القاعدة إذا تحقق شرطها فان القطيعة مع النصوص القديمة لا تقع الا مع النصوص التي تم تعديلها، أما التي لم يتم تعديلها فيقع بخصوصها استمرارية التنفيذ، عكس القاعدة الأولى التي تجعل القطيعة شاملة لكل النصوص القديمة سواء عُدلت أم لم تُعدل، وهذه الفكرة يمكن لمسها من الناحية التطبيقية من خلال حالتين تم اقتباسهما من مقال سابق بعنوان "الاسرار الكبرى للتأويل المتعدد في الدستور":
الحالة 1: وجود تعديلات جديدة في المراجعة الجديدة: ومعناه أن المراجعة الجديدة تأتي بمقتضيات غير مألوفة في المراجعة القديمة، كما جاء في الفصل 63 من دستور ما بعد مراجعة 2011 بأن ولاية مجلس المستشارين تمتد لست سنوات عكس الفصل 38 من الدستور قبل مراجعة 2011 الذي نص على مدة تسع سنوات. وبالتالي ففي مثل هذه الحالة لا يجوز السماح بتمديد تطبيق المقتضى القديم. ليتم العمل بالمقتضى الجديد ابتدأ من دخول المراجعة لحيز التنفيذ.
الحالة 2: غياب تعديلات جديدة في المراجعة الجديدة: وفحواها أن المقتضى (النص) لم يقع عليه أي تعديل نهائيا، كما في الفصل 60-1 (بعد) والفصل 36 (قبل)، حيث جاء مضمونهما بأن البرلمان يتكون من مجلسين، مجلس النواب ومجلس المستشارين. وفي هذه الحالة فانه حسب القاعدة يجوز السماح بتمديد تطبيق المقتضى القديم.
والآن بعد هذا الشرح الدقيق لقاعدتنا الجديدة، دعنا نستحضر معا المعطى الأول المتعلق بالفصلين 130 من دستور ما بعد 2011، والفصل 79 من دستور ما بعد 1996, فنبدأ بملاحظة أولية نُذكر بها وهي ان ما وقع في 2011 ليس دستورا جديدا وانما مجرد تعديل دستوري، مما يعني أنه إذا كان مقتضى "غير قابل للتجديد" في الفصل 79 هو نفسه في الفصل 130، مع تعديل بسيط لا يمس المعنى وانما يمس فقط ترتيبه داخل فقرة فريدة بالنسبة للأول، ودمجه في الفقرة الأولى بالنسبة للثاني، فهذا يجعل من هذا المقتضى خاضعا للاستمرارية لا للقطيعة من حيث التطبيق. اظن ان من حقي ان أقف عند هذا الحد لأن الامر أصبحت واضحة كثيرا، والمتمعن لهذا المقال لا شك انه قد وصل الى النتيجة المنشودة حتى قبل ان نستحضر معطى التعيين السيدة السعدية بلمير و السيد عبد الاحد الدقاق، لكن مع ذلك اظن ان هناك شيئا ما يدفعني لأخطوا خطوة مكشوفة أخرى نستحضر فيها مسالة التعيين، فأقول اذا كانت السيدة السعدية بلمير و السيد عبد الاحد الدقاق قد تم تعيينهما في المرة الأولى سنة 1999 و 2002 ثم تمت اعادة تعيينهما مجددا في 2017 فهذا معناه ان السيدة السعدية بلمير والسيد عبد الاحد الدقاق قد شغلا منصب العضوية مرتين.
اذن فهل اقتنعت الان بان النتيجة قد تغيرت، وعلمت الان جوابك على سؤالك الأخير الذي طرحته في الإفصاح الأول، اظن أنك إن قرأت المقال بتمعن فستعرف بان قضية التعيين -التي نتحدث عنها- من الناحية الدستورية لهذه القاعدة هي بلا شك مسالة ....

وفي النهاية سنختم هذا المقال بما استؤنف به الحديث في مقال سابق بعنوان الاسرار الكبرى للتأويل المتعدد في الدستور: "لكل نص أكثر من تأويل" هكذا يمكن القول؛ فالقوانين لم توضع أصلا الا لتخدم المصلحة! فالعادة ان الواضع الحقيقي للقوانين قبل ان يضعها يواجه صاحب المصلحة فيقول له أخبرني أولا عن مركزك ومصالحك، اضع لك قانونا يحميك ويحميها، صريح بنظر الغير، متعددُ الأَفهام في نظري ونظرك.
لذلك فانا لا أنوع لك التأويل كي تأخذ بأحدها، ولكن فقط افعل ذلك لتكَوِّن صورة واضحة امامك حول طريقة التعامل مع القانون!

        انتهى بحمد الله وتوفيقه

Next
This is the most recent post.
Article plus ancien

Enregistrer un commentaire

[blogger]

MKRdezign

Formulaire de contact

Nom

E-mail *

Message *

ABDALILAH DRIF. Fourni par Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget