مدونة عبد الاله دريف

مدونة للتحديث الفقهي و التأصيل المذهبي

سلسلة الإشكاليات الدستورية الكبرى "عملية إحياء لمذهب منسي" المقالة الاولى مخابر و مناظر حالة الاستثناء في التعديل الدستوري المغربي الأخير الجزء الاول


عبد الاله دريف
باحث في الدراسات السياسية والدولية، جامعة محمد الخامس الرباط اكدال .

سلسلة الإشكاليات الدستورية الكبرى
"عملية إحياء لمذهب منسي"
المقالة الاولى
مخابر و مناظر حالة الاستثناء في التعديل الدستوري المغربي الأخير
الجزء الاول

   إن لكل شيء استثنائه ولو انفرد، لذلك فمن المزايا أن نجد دساتير الدول عامة والدساتير المغربية خاصة، نَاصَّةً على حالة إستثناء عمل المؤسسات، وهو ما يفسر أن الدستور اذا كان في الاصل يمثل ديمقراطية عمل المؤسسات، فإن هذا في الحقيقة يعني أن حالة
الاستثناء تُمثل عكس ذلك، ولا يمكن القول بما يخالفه ولو تم الإحتجاج بأن حالة الاستثناء تعتبر نصا في دستور ديمقراطي بمعنى ان كل ما تخوله الديمقراطية هو من الديمقراطية، فهذا مايجعلنا نقف امام عدم امكانية الوصول الى ديمقراطية مثالية كما يزعم البعض .
  وبخصوص التجربة المغربية فقد دأب المشرع الدستوري المغربي على تخصيص الفصل 35 في كل من دستور 1996– 1972 – 1970- 1962 والفصل 34 في دستور 1992. من أجل تبيان وتوضيح أحكام حالة الاستثناء .

  أما في آخر تعديل دستوري عرفه المغرب في 28 يوليو 2011 فقد تم التطرق إلى احكام هذه الحالة بموجب الفصل 59 من نفس التعديل كمايلي :
 "إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، يمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة.
ويُخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات،التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.
لايحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية.
تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة.
تُرفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها"
  وبغض النظر عن تطبيقات حالة الإستثاء في المغرب أيام السبعينات، فإننا سنكتفي في هذا الرحاب بدراسة الجوانب النظرية لحالة الاستثناء أحكاما وقواعدا وفق مذهب جليل حاولنا اتبعناه، كما يلي :
  يذهب الكثير من شراح الدستور المغربي الى وضع منهجية خاصة في تحليل المقتضيات الدستورية لحالة الاستثناء يُبين فيها الاركان الجوهرية والأركان الشكلية لحالة الاستثناء كما يأتي :
أولا : الأركان الجوهرية / الموضوعية : ويقصد بها الحالة الواقعية التي من خلالها يتم التأسيس لفكرة الاستثناء، فهي حالات يجب توفرها قبل الإنتقال الى الأركان الشكلية للحالة، وهي على العموم حسب الفصل اعلاه تضم حالتين:
1-   حالة تهديد حوزة التراب الوطنيي.
2-  حالة الاحداث المعرقلة للسير العادي للمؤسسات الدستورية.
ثانيا : الاركان الشكلية / المسطرية : ويتلخص مؤداها في أنها تلك الأركان التي تبين المسطرة التي يجب إتباعها بعد التوفر التام للأركان الجوهرية أعلاه، بمعنى أنها تشكل المرحلة الانتقالية من الحالة العادية الى حالة الاستثناء، وهي كما يبينها الفصل 59 اعلاه على النحو الاتي:
1-  الاستشارة الملزمة في شكلها والاختيارية في مضمونها لرئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان، ورئيس المحكمة الدستورية . قبل الاعلان وقبل الرفع .
2-  الاعلان والرفع بظهير .
3-  إلقاء الخطاب الملكي بالاعلان أو بالرفع .  
  أما بخصوص مضمون العمل الدستوري في حالة الاستثناء، فإن الملاحظ ان الملك يحظى بجانب كبير من الاختصاصات التي تُخول له العمل من اجل ارجاع الامور الى نصابها .
  غير انه لايمكن ان نفهم من هذا إطلاقية هذه الصلاحيات - كما ذهب الى ذلك البعض - لأن الفصل 59 ببساطة قد حدد نطاق هذا التدخل في إجراءات الدفاع عن الوحدة الترابية، فضلا عن الاجراءات التي تخول الملك الرجوع بالحالة العادية في اقرب الاجآل .
  غير أن القراءة المتمعنة للفصل 59 من التعديل الجديد، تمكن اصحاب الرأي المناقض من الاحتجاج باطلاقية الصلاحيات الملكية في حالة الاستثناء من خلال بعض الحجج ، وهو ما يمكن تقويضه كالآتي :
1-  غياب جهة تحدد المجالات التي تدخل ضمن مجالات الدفاع :
  وفحوى هذه الحجة ان الفصل 59 عندما حدد اختصاص الملك في حالة الاستثناء، قد منحه سلطة تقديرية واسعة في تحديد المجالات التي تدخل في مجال الدفاع، وهو الامر الذي قد يتيح للملك في حالة الاستثناء البت في أي مجال       ( الصحة - التعليم - التعمير...) يعتبره داخلا او مرتبطا بمجال الدفاع.
الرد على الحجة :
  ان منطلق هذه الحجة بالكاد يكون صحيحا عندما نكون امام السلطة الواسعة للملك أثناء حالة الاستثناء، غير اننا يجب ان نحدد اولا مكامن هذه السلطة الواسعة.
   فأولا هذه السلطة محدودة بطبيعتها في السلطة التقديرية للملك، وليس في الاستحواذ على اي مجال كيف ما كان. ولعل الفرق بينهما ان الثاني يُخول فيه جلالته ممارسة الاختصاص المتعلق باجراءات الدفاع بشكل مطلق وغير مقيد، اما الثاني - وهو المقصود في الفصل 59 - فهو يفيد امكانية ادخال الملك لأي اختصاص قدَّر ان موضوعه داخل في مجال الدفاع الى هذا الاخير، بمعنى آخر ان الملك يكون امام أصل واستثناء، فالاصل هو اختصاص الدفاع بعينه، كاعتبار الملك القائد الاعلى للقوات المسلحة الملكية، وهو الامر الذي لا يحتاج الى الشساعة في السلطة التقديرية لادراجه في ميدان الدفاع لانه مظهر مظاهر الاصل ذاته، أما استثناء فيتجلى في المجالات العادية التي لا تدخل في الاصل (بمقتضى الدستور) والتي يكون للملك بموجبها استخدام السلطة التقديرية لإدخالها في مجالات الدفاع، وهو مايعني ان الملك مطالب في هذا الصنف باعطاء مبررات تضمين هذه المجالات في ميدان الدفاع، وبالتالي فالأمر لايحتاج بذلك قيام مؤسسة تحدد للملك مجالات الدفاع التي يجب أن يتقيد بها الملك مادام الدستور بعينه يحددها بكل وضوح .
  ثانيا أن هذه السلطة التقديرية رغم اتصافها بالتوسع الا انها تكون محدودة باطار قانوني نرجعه الى عبارة " يُخَول" (التي سنناقش آثارها  في الأجزاء اللاحقة )الواردة في الفصل 59 أعلاه والتي تعني ان الملك هو "مُخَوَّلُ" الصلاحيات، وان هناك "المُخَوِّلُ"، وهو كل المؤسسات الدستورية المنصوص عليها في هذا التعديل الدستوري الأخير، والتي تملك اختصاصات متعلقة بالدفاع بناء على الدستور . وهو مايعني ان الملك لا يجوز له ان يُمدد من اختصاصات الدفاع الى حدود يتجاوز فيها من جهة الحدود الدستورية في الحالة العادية للمؤسسات المُخَوِّلة عند ممارستها للمجالات الخاصة بالدفاع، فك مثال ان يصدر الملك ظهير بمثابة قانون النظام العسكري، وهو الذي لايخوله الدستور للبرلمان في اي فصل من الفصول التي تنظم صلاحيات البرلمان بتاتا، ومن جهة أخرى لايجوز له أثناء حالة الاستثناء أن يمدد صلاحياته الى ان تبلغ سلطات المحاكم العادية، أو مؤسسات الحكامة وغيرها من المؤسسات التي لا تملك وبالتالي لا تُخول اختصاصات الدفاع. وعليه فالامر كمابينا سابقا لايحتاج مؤسسة او جهة تحدد لنا مجال صلاحيات الملك اثناء حالة الاستثناء بل يكتفي الرجوع الى تحديدات الدستور.  
2-   عمومية اللفظ في تخويل الملك لممارسة الاجرءات التي ترجع الوضع العادي :
  وهذا اللفظ في تخويل الملك لممارسة الاجراءات التي ترجع الوضع العادي في أقرب الاجال يتصف بالعمومية اي ان الملك من حقه ان يتخذ اي اجراء يحقق هذا المقصد .
الرد على الحجة : 
  ان الرد على هذه الحجة بسيط بسيط، فعبارة "ويقتضيها الرجوع " الوارد في المقطع الاخير من الفقرة الاولى من الفصل 59، تظهر على انه شرط مقيد بتحقق اصل الشرط وهو أجراءات الدفاع، بمعنى ان هذا اللفظ وإن تمتع بالعمومية فهو لفظ مرتبط باجراءات الدفاع اي أن قصد المشرع سار نحو مايلي : " للمك الحق في ممارسة اجراءت الدفاع التي بامكانها ارجاع الوضع الى ماهو عليه في اسرع وقت ممكن ". وهذا أبان على أن هذه العمومية مقيدة باجراءات الدفاع التي لا يجوز للمك مجاوزتها. أي انها لاتعدو الا داخلة في اطار مافصلنا فيه أعلاه من ردنا على الحجة الاولى .
  وبخوضنا داخل هذه الاركان معا ، يمكننا الوقوف انذاك لدى الاشكاليات التالية:
الاشكالية الاولى : حالة الاستثناء وإجراء التوقيع بالعطف .
  وفي هذه النقطة بالذات نعالج ما يمكن ملاحظته على الفصل 59 من الدستور المعدل في علاقته بالفصل 42 (الفقرة الاخيرة).  
أولا : إشكالية تحديد الاصل من الاستثناء.
  إن المُسَلّم به في علم القواعد الفقهية أو الاصولية، هو أن القاعدة الاصل دائما ماتتصف بالتوسع في فهمها ، وأن قاعدة الاستثناء هو مايخالف ذلك، ان حالات الاصل تكون غير محددة بينما حالات الاستثناء تكون محددة بعِدَّتها وبعددها لانها لو لم تكن كذلك وتم التوسع فيها وفي حالاتها، آنذاك قد نصل الى اعتبار القاعدة الاستثنائية أصلا ثانيا.
   وفي حدود التطبيقات الدستورية لهذه القاعدة، نجد المراجعة الدستورية الاخيرة في فصلها 42 الفقرة الاخيرة، تنص على مايلي :
" تُوقع الظهائر بالعطف من قبل رئيس الحكومة، ماعدا تلك المنصوص عليها في الفصول 41 و 44 (الفقرة الثانية) و 47 (الفقرة الأولى والسادسة) و51 و57 و59 و 130 (الفقرة الأولى) و 174 ".
   وبناء عليه يمكن إعتبار هذا الفصل محددا  بشكل صريح للقاعدة الاصل، وهي ان توقع جميع الظهائر كيفما كانت بالعطف من لدن رئيس الحكومة. أما الإستثناء فهو محدد أيضا - حسب مقتضيات الفصل- في حالات معدودة تشمل ظهائر ملكية مُبينة في فصول محددة لا يوقع عليها رئيس الحكومة بالعطف، وهي الفصل 41 بشأن الصلاحيات الدينية لجلالة الملك، والفصل 44 المرتبط بالشخصيات التي يعينها الملك، والفصل 47 بشأن تعيين رئيس الحكومة وأعضائها أو إعفائهم، و الفصل 51 المتعلق بحل البرلمان، و الفصل 57 المتعلق بتعيين القضاة، والفصل 59 المتعلق بحالة الاستثناء، والفصل 130 الفقرة الأولى والرابعة المتعلقتين بتعيين بعض قضاة المحكمة الدستورية، والفصل 174 المتعلق بمقترحات ومشاريع تعديل الدستور .
  واذا كانت دراستنا في هذا الصدد منصبة على حالة الإستثناء وحدها، فإننا سنحاول إكتشاف مدى واقعية التطبيق الفعلي لقاعدة الأصل والاستثناء بين الفصل 42 في البند الاول من الفقرة الاخيرة منه والفصل 59 .
   بعدما عرفنا من مقتضيات الفصل 42 ان القاعدة الاصل هي توقيع رئيس الحكومة على الظهائر الملكية بالعطف، وبعدما عرفنا ايضا أن نفس الفصل قد حدد حالات استثنائية ومن بينها الفصل 59 . دعونا الآن ندخل في غمار هذا الفصل لنرى مدى محدودية الظهائر في هذا الاستثناء .. ولابأس ان نُذكر-القارئ- بأن الاستثناء يكون محدود دائما النوع والعدد. 
   إنه وبتأملنا للفصل 59 من الدستور المغربي، خاصة من زاوية صلاحية الملك في اصدار الظهائر نجد ان عدد الظهائر عموما تنقسم الى ثلاثة انواع :
1-  ظهير الإعلان .
2-  ظهير الرفع .
3-  ظهائر الاختصاص، ونقصد بها  تلك التي يمكن للمك ان يصدرها بناء على صلاحياته الواسعة في اتخاظ اجراءات الدفاع عن الوحدة الترابية.
   وبملاحظتنا لهذه الاصناف، وتأسيسا على صفة المحدودية في الاستثناء يمكن ان نستنتج مايلي :
1-  يتم إعلان الملك لحالة إستثناء واحدة بموجب ظهير واحد، وهو الأمر الذي يساير المنطق وفي نفس الحين يساير صفة محدودية العدد التي تمتاز بها قاعدة الاستثناء .
2-  بناء على الفقرة الاخيرة من الفصل 59 يمكن إدراك ان اجراء الاعلان اذا اتخذ بظهير واحد، فان ذلك يعني ان اجراء الرفع لا يتم الا بنفس الاجراء اي ظهير رفع واحد . وهو مايتفق كذلك مع صفة المحدودية.
3-  ان للملك في حالة الاستثناء سلطة تقديرية واسعة تفرض له صلاحيات غير محدودة في جانب الدفاع عن الوحدة الترابية، اي ان عدد الظهائر التي قد يصدرها جلالته غير محدود ، وهو ما يتعارض ما صفة قاعدة الاستثناء التي يدخل الفصل 59 و فصول أخرى ضمنه، اذا ماعتبرنا البند الاول من الاخيرة من الفصل 42 هو الأصل.    
  وصفة اللامحدودية هذه لاتقتصر على الفصل المنظم لحالة الاستثناء فقط، بل تثبتها الفصول الأخرى، المستثناة من الفصل 42 (الفقرة الأخيرة) أيضا. كالفصل 47 الذي يحيل إلى ان الملك يعين رئيس الحكومة بظهير، وهو الامر الذي سيتكرر في حالة رفض مجلس النواب تنصيب الحكومة، حيث سيضطر الملك إما الى حل البرلمان وانتخاب اغلبية جديدة وبالتالي رئيس حكومة جديد، وهذا قد يحدث - ولو نظريا على الاقل - أكثر من مرة واحدة، وهو الامر الذي ينافي صفة محدودية الاستثناء من جديد. أو ان الملك قد يضطرالى تعيين شخص آخر من نفس الحزب الذي تصدر إنتخابات مجلس النواب، وهو ماسيطرح في حالة رفض التنصيب منهذا الاخير تكرارا لنفس العملية من جديد وبالتالي خرق قاعدة المحدودية من جديد  وفي رأينا فقد كان من الاجدر إذن لو أن هذا الظهير بالخصوص وُقع بالعطف من لدن رئيس حكومة تصريف الاعمال الجارية.
مايترتب عن خرق قاعدة توسع الأصل ومحدودية الإستثناء في هذه الحالة:   
1-   تواجد نقاط إلتقاء بين الإستثناء والاصل، وبالتالي اي الأحكام نطبق عليها هل حكم حالة الاصل ، ام حكم قاعدة الاستثناء .
2-  انعدام وجود الاستثناء، واقرار أصلين ، وبالتالي ايهما سنعتبره استثناءا عندما نكون امام ضرورة وضع الاستثناء .       
ثانيا : هل ظهائر حالة الاستثناء تكون خاضعة لإجراء التوقيع بالعطف من لدن رئيس الحكومة ؟
   بعدما تحدثنا عن الاختلال الذي قد يحدثه إنعدام تحديد الحالات الاستثنائية التي لايوقع فيها رئيس الحكومة على الظهائر الملكية بالعطف، فاننا في اطار الاجابة عن سؤال هذه الاشكالية لن نتجاوز مقتضيات الفصل 42 في فقرته الاخيرة في علاقت مع الفصل 59 المنظم لحالة الاستثناء .
  وبناء عليه فإن ظاهر الفصل 42 في فقرته الأخيرة يحيل إلى ان رئيس الحكومة لا يوقع بالعطف على الظهائر الواردة في الفصل 59. وأن مايخرج عن هذا الفصل اذا لم يندرج ضمن قائمة الفصول المستثناة في الفصل 42 فإنه  آنذاك يرجع الى الاصل وهو توقيع رئيس الحكومة بالعطف ولو لم ينص الدستور صراحة على ذلك.
  وتنقسم الظهائر التي يوقع عليها رئيس الحكومة بالعطف إلى قسمين حسب التنصيص الدستوري، فالقسم الأول يتعلق بتلك الظهائر التي سكت النص المنظم لها على التصريح بإمكانية التوقيع عليها بالعطف من لدن رئيس الحكومة. ومع ذلك فانها تخضع لتلك المسطرة بناء على كون توقيعه اصلا لا استثناء . ومثاله الفصل 50 في فقرته الثانية بشأن ظهائر اصدارالامر بتنفيذ القانون. والفصل 99 بشأن حالة الحرب.
  أما القسم الثاني ، فيضم ذاك النوع من الظهائر التي تنظمها نصوص دستورية تنص صراحة على خضوعها لمسطرة التوقيع بالعطف، وهي ايضا تطرح تأكيد النص الدستوري على دخولها في الاصل، وهو أمر لايليق إذا ماعلمنا بان التأكيد لايكون الا للإستثناء خوفا من ادخاله في الاصل لاخلاف ذلك. وهو مايمكن استجلائه في الفصل 74 عندما نص على مايلي : " يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار بمقتضى ظهير يوقعه رئيس الحكومة، ولايمكن تمديد هذا الاجل الا بقانون .".
  وعلى العموم  فبعودتنا الى الجواب على سؤالنا حول مدى إمكانية رئيس الحكومة في التوقيع بالعطف على ظهائر جلالة الملك فإنه يمكن إدراك إحدى أخطر هفوات الدستور، عندما نربط الفصول 74 و 99 و 59 من جهة والفصل 42 في فقرته الثانية من جهة ثانية على النحو الاتي :  
أولا : في علاقة حالة الإستثناء  بحالة الحصار .
  إن خير مايمكن ان نعرف به الشيء هو التعريف بالاركان، لذلك فحالة الاستثناء التي ينظمها الدستور المغربي،  يقصد بها حالة دستورية لها اجراءات خاصة، تكون نتيجة لظروف واقعية محتملة الحدوث تعرقل السير العادي للمؤسسات او تهدد الوحدة الترابية على العموم .
  وإذا أخذنا بهذا التعريف مبدأيا فإننا نتوصل الى ان حالة الاستثناء هي حالة واسعة النطاق بحيث ان قد تشمل اي حدث يدخل في مجال أركانها الموضوعية، فتضم بذلك على سبيل المثال، الثورات، الانقلابات، والحرب (وخاصة الحرب الدفاعية)، الحصار، الحركات الاحتجاجية (اذابلغت من الخطورة مايدخلها في هذا المجال)... 
  وبناء عليه، فلو تعرضت الدولة للحصار من جهة معينة، فان من النتائج التي قد تترتب عنها هو تعرض السير العادي لمرافق الدولة للاختناق بحيث لا تقوم بعملها على أكمل وجه وهو ما يساير الركن الجوهري الثاني لحالة الاستثناء وفي بعض الاحيان اذا كان الحصار عسكريا فان الامر لامحالة سيمس بالركن الجوهري الاول لحالة الاستثناء، وهو مايستدعي بشكل آلي اللجوء الى مسطرة الاعلان عن حالة الاستثناء بموجب الفصل 59 من الدستور. فيشكل الحصار في هذه الحالة الركن الجوهري لحالة الإستثناء. وهوما يخول اعتبارها مندرجة في اطار الفصل 59 فيما يطبق عليه من أحكام الفصل 42 الفقرة الاخيرة، والتي تتلخص في ان كل الظهائر الواردة في الفصل 59 لا تكون خاضعة لمسطرة التوقيع بالعطف من لدن رئيس الحكومة. وهو مانجد خلافه اذا ما أخذنا بمقتضيات الفصل 74 من نفس الدستور الذي يقول بأن الاعلان عن حالة الحصار يكون بواسطة ظهير يوقع بالعطف من لدن رئيس الحكومة..
فأي الفصلين نتبع ؟
 وأما عن القول بإمكانية جمع حكم الفصلين معا، حيث نكون اما السيناريو الاتي:  إذا استشعر جلالة الملك بأن هناك مايدعو الى اعلان حالة الحصار، فانه سيقوم باصدار ظهير بعد التداول فيه في المجلس الوزاري مضمونه الاعلان عن حالة الحصار، وهو الامر نفس الذي سيشكل أساس اللجوء الى مسطرة حالة الاستثناء التي تبتدأ من الاستشارة الملكية وتنتهي في الخطاب الملكي . وهو مايجعل الفصلين 74 و59  في تكامل وانسجام، فتنتفي بذلك الاسس التي يقوم عليها السؤال عن اي الفصلين نتبع.
  وحسب رأينا، فهذا توجه مردود لعلة بسيطة، هي ان حالة الاستثناء تكون دوما متصلة بعنصر الاستعجال، وهو ما يظهر من صياغة الفصل 59 ذاته حيث ان اللجوء الى حالة الاستثناء لايكون بعد حصول الخطر، وانما يكون قبل حدوثه لتجنب هذا الخطر، وهذا يُظهر حقيقة  العبارة الاتية " اذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة..." ، " مايعرقل السير العادي...". إذن فكلمة التهديد والعرقلة هنا ببساطة تعبر عن مقدمات الخطر، وليس الخطر في حد ذاته، ولذلك فان الفصل 59 لم يُعَقِّد مسطرة اللجوء الى حالة الاستثناء لعلة الاستعجال، وهو خلاف ذلك في حالة السيناريوا أعلاه .         
  هذا علاوة على ان عنصر الاستعجال ايضا ينتفي عندما نتحدث قاعدة "توازي الشكليات"، حيث أنه بموجب هذه القاعدة لايتم رفع حالة الحصار بشكل صحيح الا بالطريقة التي تم اعلانها بها أي " بظهير". وبتالي فعودتنا الى حالة الاستقرار الدستوري بعودة المؤسسات الى عملها المعتاد – بعدما تم الاعلان عن حالة الاستثناء وحالة الحصار معا - يقتضي ان يتم رفع حالة الحصار أولا بظهير(يتم توقيعه من لدن رئيس الحكومة بالعطف) ثم بعد ذلك يتم رفع حالة الاستثناء ايضا بظهير لا يصدر إلا بعد اجراء الاستشارة، وتوجيه الخطاب الى الامة، وهو امر كما تلاحظ - ياسيدي القارئ -  يستلزم وقتا طويلا ينافي عنصر الإستعجال . 
ثانيا : في علاقة حالة الإستثناء بحالة الحرب و إشكالية ظهير الفصل 49.
    ودون تجاوز ما آلت إليه آخر فكرة في تحديد العلاقة بين حالة الحصار وحالة الإستثناء، يمكننا أن نؤسس العلاقة  بين حالة الاستثناء وحالة الحرب على نفس القاعدة، بمعنى أن حالة الحرب اذا كانت خاضعة للحكم الصريح الوارد في الفقرة الاخيرة من الفصل 42 (اي انها تخضع لتوقيع رئيس الحكومة بالعطف)، فإنها كذلك تطرح أمامنا مشكلة ادراجها ضمن إما ضمن احكام  الفصل 59 (التي تقضي بعد اخضاعها للتوقيع بالعطف من لدن رئيس الحكومة.) أو أحكام الفصل 42 (والتي لا تُخضع الفصل 99 المتعلق بحالة الحرب للاستثناء الذي يخول للمك الحق في اتخاذ ظهير لايوقع عليه رئيس الحكومة بالعطف.) .
  بيد أنه وبتعرضنا للفصل 99 من المراجعة الدستورية الاخيرة، والذي ينص على مايلي : " يتم إتخاذ قرار إشهار الحرب داخل المجلس الوزاري، طبقا للفصل 49 من هذا الدستور، وبعد إحاطة البرلمان علما بذلك من لدن الملك ". نستنتج ان قرار الاشهار يتم اعتماده بناء على مقتضيات الفصل 49 من الدستور. وهوالذي يطرح أممانا ضرورة الجواب على السؤالين التاليين :
1-  السؤال الاول : هل يقع إصدار قرارات المجلس الوزاري بظهائر ؟
  إن الفائدة من هذا السؤال، كامنة في تحديد جواب على سؤال آخر هو : هل قرار الحرب المنصوص عليه في الفصل 99 يعتبر ظهيرا ام لا ؟ وهو سؤال بدوره يحيلنا جوابه على إمكانية إدراجه (أي القرار) في خانة الظهائر التي توقع بالعطف أو لا. 
  لقد استطاعت التجربة الدستورية المغربية أن تجد جوابا صريحا على هذا السؤال، إذ ان كل المجالات والمشاريع الواردة في الفصل 49 لا يتم اعتمادها الا بعد صدورها في ظهير، على الرغم من تواجد فوارق مسطرية في كل مجال على حدة، فمثلا نجد مشاريع القوانين الاطار الواردة في الفصل 71 لا يتم اعتمادها بظهير الا بعد اصدار الأمر بتنفيذها من لدن جلالة الملك وفق الفصل  50 وذلك بعد مرور مسطرة تشريعية محددة يعرفها القارئ الباحث . بينما نجد مسطرة "السياسة العامة للدولة" تجعل محطة المجلس الوزاري آخر محطة يكون فيها قرار المجلس عبارة عن ظهير وهو عكس النموذج الاول (القوانين الاطار).  
2-  السؤال الثاني : بناء على السؤال الأول، هل يعتبر مايصدره المجلس الوزاري بناء على الفصل 49 قابلا للتوقيع بالعطف من لدن رئيس الحكومة ؟       
  بعدما عرفنا من خلال آخر فكرة توصلنا اليها، أن المجلس المجلس الوزاري يصدر قراراته التي تعتمد بواسطة ظهائر . جاز لنا البحث عن جواب للسؤال أعلاه .
  تفضي بنا الملاحظة الدقيقة للفصل 49 المنظم لمجالات تداول المجلس الوزاري، إلى صعوبة تحديد جواب صريح للسؤال أعلاه، إذ أن التسرع بالقول بالقاعدة الاصل (خضوع كل الظهائر الى مسطرة التوقيع بالعطف من لدن رئيس الحكومة)، بحجة وضوح الفصل 42 كما أوضحنا ذلك أعلاه، أمر يلزمه إعادة النظرخاصة إذا ما بنينا تحليلنا لحالة الحصار الذي ينص عليها الفصل 74  وحالة الحرب على كونهما مظهرين من مظاهر حالة الاستثناء، وهو مايترتب عنه خضوعهما لنفس الحكم الوارد في الفصل 42 الذي يستثني الفصل 59 المتعلق بحالة الاستثناء من مسطرة التوقيع بالعطف، وبالتالي فنكون امام عدم إمكانية إدراج الفصل 49 في حكم القاعدة الاصل. لوجود مجالات تخضع لمسطرة التوقيع بالعطف  ومجالات اخرى لا تخضع لذلك، وهي مسألة بالتالي ترجعنا الى ضرورة تحديد التوقيع بالعطف انطلاقا من النص الاصلي لتلك المجالات التي يختص المجلس الوزاري فيها .
  وعليه فاننا بعدما أن علمنا بان قرار الاعلان عن حالة الحرب المنصوص عليها  في الفصل 99 هو بمثابة ظهير، فهو إذن لا يحتاج لنعلم هل يعد قابلا للتوقيع بالعطف ام لا اذا ما طبقنا قاعدة التحديد أعلاه .



Article plus récent
Previous
This is the last post.

Enregistrer un commentaire

[blogger]

MKRdezign

Formulaire de contact

Nom

E-mail *

Message *

ABDALILAH DRIF. Fourni par Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget